اسم الكتاب: تعريف عام بدين الإسلام
اسم المؤلف: الشيخ على الطنطاوي رحمه الله
دار النشر: دار المنارة بجدة
عدد الصفحات: 190 صفحة
قصة هذا الكتاب
ذكر المؤلف رحمة الله أن الباعث على تأليفه هذا الكتاب ما تنبه إليه مبكراً من ضرورة عرض الإسلام بأسلوب عصري, فعندما ذهب إلى العراق(1936م) مدرساً للأدب العربي وكُلف بتدريس الدين جعل الطلاب يسألونه عن كتاب واحد يفهمون منه الإسلام, لا يريدون كتاب تجويد ولا كتاب توحيد ولا كتاب تفسير ولا فقه ولا أصول ولا حديث, بل كتاباً في الإسلام, يعرضه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضه على من يفد عليه من العرب (أو الأعراب) فيفهمونه في يوم واحد أو في بعض يوم. يقول الكاتب: "فلم أكن أجد مثل هذا الكتاب".
بين يدي الكتاب
قدم المؤلف للكتاب مقدمة جذابة تحدث فيها عن النفس وترددها بين طريق الجنة وطريق النار, وكونها ميالة إلى طريق النار, ففيه كل ما هو لذيذ ممتع, فيه النظر إلى الجمال ومفاتنه, فيه الاستجابة للشهوة ولذتها, فيه أخذ المال من كل طريق والمال محبوب مرغوب فيه, وفيه الانطلاق والتحرر والنفوس تحب الحرية والانطلاق وتكره القيود.
ولكن الإنسان حين يفكر ويستعمل عقله يجد أن هذه الحرية المؤقتة لا تساوي ما بعدها من سجن في جهنم طويل, وهذه اللذة المحرمة لا تعدل ما بعدها من العذاب.
وأسلوب الكاتب هو الإكثار من ضرب الأمثال الواقعية التي تقع لكل الناس تقريباً وهذا ما يثير إعجاب قارئ الكتاب ويؤثر فيه.
دين الإسلام
على طريقة ضرب المثال أيضاً يقول الكاتب شارحاً دين الإسلام قلت مرة لتلاميذي: "لو جاءكم رجل أجنبي، فقال لكم: إن لديه ساعة من الزمن، يريد أن يفهم فيها ما الإسلام، فكيف تفهمونه الإسلام في ساعة". قالوا: "هذا مستحيل، ولا بد له أن يدرس التوحيد والتجويد، والتفسير والحديث والفقه والأصول، ويدخل في مشاكل ومسائل، لا يخرج منها في خمس سنين". قلت: "سبحان الله أما كان الأعرابي يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلبث عنده يوماً أو بعض يوم، فيعرف الإسلام ويحمله إلى قومه، فيكون لهم مرشداً ومعلماً، ويكون للإسلام داعياً ومبلغاً؟ وأبلغ من هذا، أما شرح الرسول صلى الله عليه وسلم الدين كله (في حديث سؤال جبريل) بثلاث جمل، تكلم فيها عن: الإيمان والإسلام، والإحسان؟ فلماذا لا نشرحه اليوم في ساعة؟..".
فما الإسلام؟ وكيف يكون الدخول فيه؟
كل نحلة من النحل الصحيحة والباطلة، وكل جمعية من الجمعيات النافعة والضارة، وكل حزب من الأحزاب الخيرة والشريرة، لكل ذلك "مبادئ" وأسس فكرية، ومسائل عقائدية، تحدد غايته وتوجه سيره، وتكون كالدستور لأعضائه وأتباعه.
ومن أراد أن ينتسب إلى واحد منها، نظر أولا إلى هذه "المبادئ"، فإن ارتضاها واعتقد صحتها، وقبل بها بفكره الواعي وبعقله الباطن، ولم يبق عنده شك فيها، طلب "الانتساب" إلى الجمعية. فانتظم في سلك أعضائها ومتبعيها، ووجب عليه أن يقوم بالأعمال التي يلزمه بها دستورها، ويدفع رسم الاشتراك الذي يحدده نظامها، وكان عليه "بعد ذلك" أن يدل بسلوكه على إخلاصه لمبادئها، فيتذكر هذه المبادئ دائماً، فلا يأتي من الأعمال ما يخالفها، بل يكون بأخلاقه وسلوكه، مثالا حسنا عليها، وداعية فعليا لها.
فالعضوية في الجمعية هي: (علم) بنظامها، و (اعتقاد) بمبادئها، و (إطاعة) لأحكامها، و (سلوك) في الحياة موافق لها.
هذا وضع عام، ينطبق على الإسلام. فمن أراد أن يدخل في دين الاسلام عليه (أولا) أن يقبل أسسه العقلية، وأن يصدق بها تصديقا جازما، حتى تكون له (عقيدة). وهذه الأسس تتلخص في أن يعتقد أن هذا العالم المادي ليس كل شيء، وأن هذه الحياة الدنيا ليست هي كالحياة كلها. فالإنسان كان موجوداً قبل أن يولد، وسيظل موجوداً بعد أن يموت، وأنه لم يوجد نفسه، بل وجد قبل أن يعرف نفسه، ولم توجده هذه الجمادات من حوله، لأنه عاقل ولا عقل لها، بل أوجده وأوجد هذه العوالم كلها من العدم إله واحد، هو وحده الذي يحيي ويميت، وهو الذي خلق كل شيء، وإن شاء أفناه، وذهب به، وهذا الإله لا يشبه شيئا مما في العوالم، قديم لا أول له، باق لا آخر له، قادر لا حدود لقدرته، عالم لا يخفى شيء عن علمه، عادل ولكن لا تقاس عدالته المطلقة بمقاييس العدالة البشرية، هو الذي وضع نواميس الكون التي نسميها (قوانين الطبيعة)، وجعل كل شيء فيها بمقدار، وحدد من الأزل جزئياته وأنواعه، وما يطرأ عليه (على الأحياء وعلى الجمادات) من حركة وسكون، وثبات وتحول، وفعل وترك. ومنح الإنسان عقلا يحكم به على كثير من الأمور، التي جعلها خاضعة لتصرفه. وأعطاه عقلا يختار به ما يريد، وإرادة يحقق بها ما يختار. وجعل بعد هذه الحياة المؤقتة حياة دائمة في الآخرة، فيها يكافأ المحسن في الجنة، ويعاقب المسيء في جهنم.
وهذا الإله واحد أحد، لا شريك له يعبد معه، ولا وسيط يقرب إليه ويشفع عنده إلا بإذنه، فالعبادة له وحده خالصة، بكل مظاهرها.
له مخلوقات مادية ظاهرة لنا، تدرك بالحواس، ومخلوقات مغيبة عنا، بعضها جماد وبعضها حي مكلف، ومن الأحياء ما هو خالص للخير المحض، (وهم الملائكة)، ومنها ما هو مخصوص بالشر المحض (وهم الشياطين)، وما هو مختلط، منه الخير والشرير، والصالح والطالح (وهم الجن)، وأنه يختار ناساً من البشر، ينزل عليهم الملك بالشرع الإلهي ليبلغوه البشر، وهؤلاء هم الرسل.
وأن هذه الشرائع تتضمنها كتب وصحائف أنزلت من السماء، ينسخ المتأخر منها ما تقدمه أو يعدله. وأن آخر هذه الكتب هو القرآن، وقد حرفت الكتب والصحف قبله، أو ضاعت ونسيت، وبقي هو سالما من التحريف والضياع، وأن آخر هؤلاء الرسل والأنبياء هو محمد بن عبد الله العربي القرشي، ختمت به الرسالات، وبدينه الأديان، فلا نبي بعده.
فالقرآن هو دستور الإسلام، فمن صدق بأنه من عند الله، وآمن به جملة وتفصيلا، سمي (مؤمنا). والإيمان بهذا المعنى، لا يطلع عليه إلا الله، لأن البشر لا يشقون قلوب الناس ولا يعلمون ما فيها، لذلك وجب عليه ليعدّه المسلمون واحداً منهم، أن يعلن هذا الإيمان بالنطق بلسانه بالشهادتين.
وهما: "أشهد ان الا إله إلا الله، وأشهد ان محمدا رسول الله".
فإذا نطق بهما صار مسلما، أي: (مواطنا) أصيلا في دولة الإسلام، وتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها المسلم، وقبل بالقيام بجميع الأعمال التي يكلفه بها الإسلام.
ثم ذكر المؤلف أركان الإسلام وشرحها بطريقة سهلة مُرَغِّبة. وبعدها ذكر المحرمات التي ينبغي اجتنابها ثم قال: "وإذا قصر المسلم في القيام ببعض الواجبات، أو ارتكب بعض الممنوعات، ثم رجع (وتاب) وطلب العفو من الله، فإن الله يعفو عنه، وإن لم يتب فإنه يبقى مسلما معدودا في المسلمين، ولكنه يكون (عاصيا) يستحق العقاب في الآخرة، ولكن عقابه مؤقت، لا يدوم دوام عقاب الكافر.
أما إذا أنكر بعض المبادئ، أي العقائد الأصلية، أو شكَّ فيها، أو جحد واجبا مجمعاً على وجوبه، أو حراما مجمعا على حرمته، أو أنكر ولو كلمة واحدة من القرآن، فإنه يخرج من الدين، ويعتبر مرتداً تنزع عنه الجنسية الإسلامية، والردة أكبر جريمة في الإسلام، فهي كالخيانة العظمى في القوانين الحديثة، جزاؤها (إن لم يرجع عنها، ويتنصل منها) الموت.
فاذا آمن الناس بالأسس الفكرية للإسلام، وهي التصديق المطلق بالله، وتنزيهه عن الشريك والوسيط، وبالملائكة، وبالرسل، وبالكتب، وبالحياة الأخرى، وبالقدر، ونطق بالشهادتين، وصلى الفرائض، وصام رمضان، وأدى زكاة ماله، إن وجبت عليه الزكاة، وحج مرة في العمر إن استطاع، وامتنع عن المحرمات المجمع على حرمتها، فهو مسلم مؤمن، ولكن ثمرة الإيمان لا تظهر منه، ولا يحس بحلاوته، ولا يكون مسلما كاملا، حتى يسلك في حياته مسلك المسلم المؤمن. وقد لخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهاج هذا السلوك، بكلمة واحدة، كلمة من جوامع الكلم، ومن أبلغ ما نطق به بشر.
كلمة تجمع الخير كله، خير الدنيا، وما في عقبه من خير الآخرة. هي: أن يتذكر المسلم في قيامه وقعوده، وخلوته وجلوته، وجده وهزله، وفي حالاته كلها، أن الله مطلع عليه، وناظر إليه، فلا يعصيه وهو يذكر أنه يراه، ولا يخاف أو ييأس وهو يعلم أنه معه، ولا يشعر بالوحشة وهو يناجيه، لا يحس بالحاجة إلى أحد، وهو يطلب منه ويدعوه، فإن عصى – ومن طبيعته أنه يعصي – رجع وتاب، فتاب الله عليه.
كل ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم، في تعريف (الإحسان): "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
بعد هذا العرض الإجمالي لدين الإسلام
ذكر أنه: إيمان(عقيدة), وإسلام, وإحسان, وقال إنه في هذا الكتاب سيفصل في موضوع العقيدة على أن يشرح (الإسلام والإحسان) في أجزاء تالية.
وبذلك أتت باقي أبواب الكتاب مفصلة للعقيدة الإسلامية، فبدأ بباب(تعريفات) ذكر فيه المصطلحات التي يكثر دورانها على ألسنة العلماء وفي كتب العقائد وهي(الشك), و(الظن), و(العلم), ليصل منها إلى تعريف(العقيدة).
قواعد العقائد:
في هذا الباب ذكر المؤلف قواعد هي بمنزلة رد على الشبهات التي تثار عندما يكلف الإنسان بالإيمان بالغيب مثلاً. ولا ننسى أن الفترة الزمنية التي أُلِف فيها الكتاب كانت الدعوة إلى الإلحاد على أشدها.
الإيمان بالله
ذكر المؤلف أن الإيمان بالله يتضمن أربع قضايا: أن الله موجود بلا موجِد, وأنه رب العالمين, وأنه مالك الكون المتصرف فيه, وأنه الإله المعبود وحده لا يُعبد معه غيره. وبعد أن فصّل المؤلف في التدليل على القضايا الثلاث الأول قال:
الإله المعبود:
يقر أكثر الناس أنه الله هو مالك الملك، المتصرف بالكون، ولكن هل يكفي هذا ليكون مؤمنا؟
لا.. بل لا بد معها من القضية الرابعة، وهي أنه وحده الإله المعبود. إذا اعترفت بأن الله موجود، وأنه رب العالمين، وأنه مالك الملك، فلا تعبد معه غيره، ولا تقابل غيره بأي صورة من صور العبادة. وقد أراني الله معنى لسورة الناس، فيه رد على من يقر بوجود الله وبربوبيته وملكه، ولكنه لا يوحده توحيد الألوهية، معنى لم أجد من المفسرين من ذكره، وأرجو أن يكون صوابا. يقول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}.
فلماذا كرر لفظ الناس؟ وعمد إلى الإظهار بدلا من الإضمار؟! فلم يقل مثلا: "رب الناس، وملكهم، وإلههم..؟!". الذي ظهر لي، كأن ربنا (والله أعلم) يقول لهم: "هذه ثلاث قضايا، متماثلة متكاملة، كل قضية مستقلة بنفسها، مع ارتباطها بأختها. فهو: (رَبِّ النَّاسِ) أي خالقهم وحافظهم، وهو: (مَلِكِ النَّاسِ) أي مالكهم المتصرف فيهم. وهو (إِلَهِ النَّاسِ) أي المستحق وحده لعبادتهم، لا يجوز أن يكون له شريك فيها..". ومقتضى ذلك أن تصدقوا بالقضايا الثلاث، أو أن تنكروا القضايا الثلاث، فما بالكم: تصدقون بالاولى والثانية، وترفضون الثالثة؟ كيف تفرقون بين المتماثلات؟ فتقبلون بعضا وتأبون بعضا؟ والثلاث سواء في الثبوت، لا سبيل إلى التفريق بينها في الحكم؟
وتضمن باب الإيمان بالله الكلام على توحيد الألوهية, وأن التحريم والتحليل لله وحده. وبسط الكلام على آيات الصفات, وموقف المسلم من المحكم والمتشابه. وتكلم عن آيات الصفات, وموقف المسلم من المحكم والمتشابه. وتكلم عن مظاهر العبادة وغاية العبادة ثم لخص توحيد الألوهية قائلاً:
الخلاصة
فتلخص من ذلك أن توحيد الألوهية – وهو القسم الرابع والقسم الأخص من الإيمان بالله هو أن نعتقد أن النفع والضر كله من الله وحده، فلا تطلب النفع إلا منه، إما عن طريق السنن التي وضعها لهذا الكون المسماة بقوانين الطبيعة، وإما منه رأسا بالدعاء، تدعوه وحده، لا تدعو غيره، ولا تدعوه مع غيره، ولا تتخذ إليه وسيطا، ولا تستعين إلا به أو بالأسباب التي جعلها طريقا للنفع، مع ملاحظة أنه هو النافع لا مجرد السبب، وأن تخصه بالحب المطلق الدافع إلى الطاعة المطلقة، والخشية الدافعة إلى اجتناب المحرمات، وأن تخصه بالتعظيم المطلق، وبكل ما يدل عليه من قول وعمل، وأن تقصد رضاه وحده، لا تقصد بعبادتك الدنيا وأهلها.
مظاهر الإيمان
تكلم المؤلف في هذا الباب عن الإيمان وأنه لاينفك عن العمل لأن العمل نتيجة له وثمرة من ثمراته, وتكلم عن زيادة الإيمان وثمرات الإيمان, والخوف والرجاء, والشكر والصبر, والانقياد لحكم الشرع, والتوبة والاستغفار.
أركان الإيمان
بعد ذلك شرح المؤلف بأسلوبه الجذاب المعتمد على ضرب الأمثلة الحسية باقي أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر, والإيمان بالقدر, والإيمان بالغيب, والإيمان بالملائكة (وذكر معهم الجن), والإيمان بالرسل, والإيمان بالكتب.
عرض ـ جمال عفيفي
من موقع: رسالة الإسلام
0 التعليقات:
إرسال تعليق