تابعنا :

Ads 468x60px

الأحد، 5 سبتمبر 2010

سلمان العودة: "الطائفية الفكرية" من أهم عوائق التغيير ..




أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن الطائفية الفكرية من أهم عوائق التغيير ، مشيرًا إلى أن الطوائف المذهبية تعرف حدودها  ، بينما هذه الطوائف الفكرية ترى أن المجتمع كله هو نصيب لها ، ومن حقها أن تؤثر فيه وتقوده .
وأورد الشيخ سلمان ـ في حلقة السبت من برنامج "حجر الزاوية" ، والذي يبث على فضائيةmbc ، والتي جاءت تحت عنوان "مقاومة التغيير" ـ: مصطلح " الطائفية الفكرية " ، مشيرًا إلى أنّ هذا المصطلح هو من سكّه وأن الحقوق محفوظة

له بخيرها وشرّها لافتاً  إلى أنه يوجد في كل المجتمعات العربية والإسلامية طوائف وتيارات تشبه الطوائف المذهبية الموروثة  ، ولكن مع الفارق ، بينها وبين الطوائف الفكرية أو الثقافية (الطوائف المذهبية) .
من لم يكن ضدي فهو معي
وقال الدكتور العودة: إنه يوجد في المجتمع الواحد إرادات متنازعة ومتصارعة ومتضاربة ما بين اتجاه يميني ويساري، واتجاه محافظ ومنفتح، لافتًا إلى أنه يأتي أحيانًا ضمن هذا الإطار قضية "من لم يكن معي فهو ضدي"، معربًا عن أمنيته في تغيير هذه الكلمة لتكون: "من لم يكن ضدي فهو معي"، مؤكدًا  أن هذا معنى رائع وجميل.
وأضاف فضيلته: أنه ينسب إلى عيسى -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقول: "من لم يكن ضدي فهو معي" أي: أن فكرة استحضار الصراع بين هذه الطوائف ليست فكرة مطلوبة ولا فكرة الربط بالخارج أيضًا، مشيرًا إلى أن الفكر العربي المعاصر يصح أن نقول إنه "رهين المحبسين" مثلما كنا نقول عن أبي العلاء المعري.
رهين المحبسين
وأوضح الشيخ سلمان أن الفكر العربي المعاصر منه ما هو:
1 ـ رهين التاريخ: فهو دائمًا يهرب إلى التاريخ ويستدعيه ويعيش فيه، ويجد الأمن في التاريخ لأنه يتحدث عن قصص مضت وانقضت وانتهت ولكن أهم شيء ألا يلامس الواقع هذا النوع من الارتهان.
2ـ رهين التقليد: فهو رهين التقليد للآخر، ومحاولة استنساخ النموذج الغربي والحضارة والأنماط الغربية مع تجاهل أن تلك الحضارة نشأت في ظروف خاصة ولمجتمعات خاصة ولا يمكن أبدًا أن تطبق كما لو كانت وصفة قابلة لأن تنقل إلى أي مجتمع من المجتمعات.
الخلاص مطلوب
وركز الدكتور العودة على أهمية الخلاص منها ومحاولة تذويب الحواجز والفروق وإحياء الحوار بين الناس، مؤكدًا  أنه لا يمكن أن يوجد حوار لا بين هذه الطوائف ولا معها، ومع المجتمع أو السلطة التي تحكمهم إذا كان الجو مرهونًا بنوع من الشبه أو الشكوك أو الاتهام، فكثيرًا ما نتهم البعض بأنه ينتمي أو يمثل رأي جهة خارجية أو مرتبط بدولة خارجية، أو بعضهم إذا كان يميل لاتجاه آخر قلنا هذا يمثل جماعة من الجماعات، وكأن مجتمعنا العربي والإسلامي ليس فيه عيوب أو أسباب تدعو إلى وجود مثل هذه الثغرات.
ولفت فضيلته إلى أنه مع افتراض أن للخارج تدخلًا، فإننا يجب أن نعي أن الخارج تدخل في واقع قائم وموجود وربما استثمر أزمة أو مشكلة موجودة.
تغيير نحو الأفضل
وأردف الشيخ سلمان: هناك تيارات فكرية مختلفة في مجتمعنا السعودي تظهر من خلال وسائل الإعلام أو المجالس أو الكتب، وكذلك اليمن وهو بلد عربي شقيق ومجاور ويعتبر عمقًا وبعدًا استراتجيًا، حيث تجد قضية الحوثيين، والحراك الجنوبي، واللقاء المشترك، كما تجد الحكومة تعاني من مشكلة التنمية، متسائلاً: هل سيصبح الأمر بحيث يكفي أن نحافظ على الواقع الذي نحن فيه وليس لدينا طموح إلى تغيير نحو الأفضل؟.
وتابع فضيلته: إننا إذا نظرنا إلى أي بلد عربي آخر فإنك من الممكن أن تطبق الكلام على بلد مثل مصر، والذي يوجد فيه حراك قوي فيما يتعلق بالتغيير، أو إيران حيث توجد الخلافات بين الإصلاحيين والحكومة أو أشياء كثيرة من هذا النمط.
محاربة التغيير
وذكر الشيخ سلمان أن الطائفية الفكرية قضية مهمة جدًا ضمن قضية الحراك المتعلق بالمجتمع فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أي: الخسائر الاقتصادية، فالناس الذين يخسرون يحاربون التغيير لأنهم لا يريدون أن يخسروا مواقعهم سواء كانت مواقع اجتماعية سلطوية أو كانت مواقع اقتصادية، ولذلك فإن الأفضل للمثقف أن لا يصبح غنيًا فيصبح بوقًا ولا يصبح فقيرًا فيصبح ثائرًا دائمًا يتحدث عن مظلوميته وإنما أن يكون في دائرة الوسط بحيث يتمكن أفضل وأكثر من أن ينطق بكلمة حقيقة.
وأشار فضيلته إلى أن الناس دائمًا ما يرفضون التغيير لأنه يمس مصالحهم الاقتصادية، وعلى سبيل المثال، فإن رفض أصحاب الدكاكين للبريد يرجع إلى أن البريد يصل إلى المزارعين في بيوتهم، بينما أصحاب الدكاكين يريدون من المزارعين أن يأتوا إلى المدينة وأن ينزلوا ويشتروا وأن يمروا على المطاعم، فهناك أشياء كثيرة جدًا يرفضها الناس لأن مصالحهم الاقتصادية تتقاطع معها فيقدمون المصلحة الخاصة على المصلحة الاجتماعية العامة.
قانون (18/40/60)
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن الإنسان غالبًا ما يكون مسكونًا بهاجس التخوف والمقاومة عند كل شيء ، أو أي شيء طارئ يدخل عليه سواء كان هذا تغييراً إيجابياً أو سلبياً ، قال  الشيخ سلمان: هناك قانون اسمه (18/40/60) وهو يتعلق بفعل الناس تجاه التغيير الذي يمكن أن يحدث للإنسان ، حيث يشير هذا القانون إلى أن الشاب أو الفتاة في عمر 18 سنة يكون مهموم جداً بـ"ماذا يقول الناس عنه" ،  في ملبسه ومأكله وحركاته وتصرفاته ووظيفته ، فإذا وصل إلى سن الأربعين أصبح يشعر بأن الناس يتكلمون عنه لكن لا يهمه ماذا يقول الناس عنه .
وأضاف فضيلته : أن الإنسان إذا وصل سن الستين أدرك أن الناس لم يدروا عنه وأنهم مشغولون بأنفسهم ولا يعنيهم هو لا في قليل ولا كثير.
بساطة.. ومشروع شمولي
وأردف الدكتور العودة : أننا حينما نتحدث عن التغيير الآن  ، فإننا نتحدث بكل بساطة عن شاب يريد أن يعمل كنادل في مطعم يقوم بحمل الصواني والصحون ويضعها ، ويصب القهوة والشاي ، وينظف الطاولات ، ويستقبل الزبائن ، ويتعامل معهم بكل أريحية دون أن يكون مسكوناً أو ملاحقاً بثقافة العيب أو الشعور بالنقص أو الدونية وهو يقوم بمثل هذا العمل ، مشيرًا إلى أن هذا النمط من التغيير هو الذي نحن نتحدث عنه .
وتابع فضيلته : كما أننا نتحدث عن التغيير في أبهى صوره ، وذلك حينما يكون التغيير مشروعاً شمولياً تتبناه حكومة أو دولة ويندرج فيه العالم والحاكم والتاجر والمواطن العادي جنباً إلى جنب .
رفض التغيير
وأوضح الشيخ سلمان : أنه في كل هذه الحالات ، فإنه من سنة الله عز وجل أن يكون هناك رفض للتغيير سواء كان تغييراً إيجابياً أو سلبياً ، وسواء كان فردياً أو جماعياً ، خاصاً أو عاماً ، مفاجئاً أو متدرجاً ، حيث لابد أن يكون هناك رفض حتى إنهم يقولون : "إن كل تغيير لا يرفضه المجتمع فهو لا يحتاجه"  ، وهذا يؤكد أن الرفض دليل على أن المجتمع بحاجة إلى هذا التغيير وأن علينا أن نصر على هذا التغيير .
وذكر فضيلته : أننا كثيراً ما نتحدث عن مقاومة التغيير ، وهو مبدأ رائع وجميل ، فنضرب المثل بالرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لأنهم قادة الركب البشري ، كما أنهم الذين مارسوا عملية التغيير بكمالها وشرعيتها وتدرجها ، بالصبر ، والاحتمال، بعيداً عن المصلحية الذاتية ، ومع ذلك فكم يحتشد القرآن الكريم بالنصوص التي تصبر وتعزي النبي -صلى الله عليه وسلم- بإخوانه من الأنبياء والمرسلين ، حيث يكفي - قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (الأنعام:36،35،34) .
رفض.. وتحدٍّ
وأشار الدكتور العودة: إلى أن كثرة النصوص القرآنية في قصص الأنبياء توحي بأن عملية التغيير تواجه رفضاً وتحدياً على أي مستوى كانت ، فحتى أولئك الرسل والأنبياء الذين أسلم معهم الواحد أو الاثنان أو حتى الذين لم يؤمن معهم أحد واجهوا عاصفة من التكذيب والاتهام والشبه والأقاويل وغيرها حتى أتاهم نصر الله -سبحانه وتعالى- أو لقوا ربهم -عز وجل- ، لافتًا إلى أن الإنسان الذي يغير من البشر العاديين لا يملك القطعية التي يملكها الأنبياء ، فإنه عندما يقدم مشروعاً ثقافياً أو اجتماعياً أو سياسياً فإنما يقدم محاولة ؛ ولذلك تخطر في بال الإنسان أحياناً نماذج يجمل أن نستعرضها بكثير من الإكبار والروعة ، وعلى سبيل المثال ، سقراط الفيلسوف ، والذي كان يقول عنه ابن القيم -رحمه الله- إنه من الموحدين .
واستطرد فضيلته : كما أن بعض الناس قالوا إنه نبي ، وإن كان لا يثبت فيما يظهر لي فيما وصل إليه علمي أنه نبي ، لكن هذا أخذوه من كونه موحداً يدعو إلى التوحيد في أثينا ، كما انتقد الديمقراطية المنقوصة فسجنوه ثم أقاموا له محكمة من خمسمائة قاضٍ منتخباً قاموا بمحاكمته وحكموا عليه بالإعدام بواسطة تجرع السم ، وكان طلابه يطلبون منه الهرب ، فيقول : مستحيل أهرب حتى لو كان باب السجن مفتوحاً ، ثم تجرع السم بكل أريحية .
تغيير فكري
وأردف الشيخ سلمان : أن الشيء العجيب أنهم اتهموه بأنه يفسد عقول الشباب وأفكارهم  وسلوكهم فكان يقول لهم بعد أن عرضوا عليه أن يسكت : لو طلبتم مني أن أتوقف عن دعوتي إلى التوحيد فإنني سوف أقول لكم إنني أحبكم يا أهل أثينا ولكنني سوف أطيع الله تعالى ولن أطيعكم ! ، وهذا واضح أنه قبس من هدي الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-  ، ولا يكون إلا من أناس تأسوا بالأنبياء وإن لم يكونوا هم أنبياء ، موضحًا أن هذا نموذج من رفض التغيير .
وتابع فضيلته  أن التغيير الفكري يرتبط بقصة قريبة جداً ، وهي أن عبد الكريم قاسم ، أحد حكام العراق عام 1960م تقريباً ، وضع قانوناً يساوي بين الذكر والأنثى في الميراث ، وألغى فيه أحكام الشريعة الإسلامية ، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى : (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(النساء: من الآية176) وهذا ليس لكل امرأة ولكل رجل في الميراث وإنما للأولاد والبنات وهي ضمن نظام ومنظومة متكاملة في التشريع الإسلامي فيما يتعلق بالمواريث ، وهذا غاية العدل والمصلحة للناس .
تغيير سلبي
وأوضح الدكتور العودة: أن هذا الرئيس العراقي ألغى هذا القانون وجعل المساواة بين الذكور والإناث في الميراث ، لكن الشيء الغريب أنه مع أنه أصدر فيه قانوناً وعممه ، إلا أنه لم يعمل به أحد في العراق ولم يعمر هذا القانون إلا ثلاث سنوات ثم ألغي بعدها بسبب الرفض الشعبي باعتبار أن هذا القانون يتعارض مع القيم والثوابت الإسلامية .
وذكر فضيلته  أن هذا التغيير هو تغيير سلبي واجه معارضة ، مشيرًا إلى أن هذه المعارضة قد تكون صامتة  ، فهي ليست عصياناً وإنما هي عبارة عن  تنفيذ ، حيث ينفذ الناس الشيء الذي يدينون الله -تبارك وتعالى- به ، وعلى سبيل المثال ، فإنه يوجد في عصرنا الحاضر جماعات مثل الآيمش ، وجماعات الأمريكان من الهنود الموجودين في كندا وفي بيرو ، كما تجدهم في أمريكا الجنوبية ، حيث يعيش الكثير منهم في الجبال في عزلة لا يستخدمون أدوية العلاج والمستشفيات الحديثة ، ولا يتعاطون مع وسائل الإعلام .
مرجعية فقهية
ولفت الشيخ سلمان : إلى أن مثل هؤلاء لا يقصون ولا يحلقون شعورهم لا رجالاً ولا نساءً ، ولا يقبلون التعليم ، أو السياحة والسواح ، كما أنهم لا يركبون السيارة ، وإذا كان هناك ضرورة يركبونها لكن لا يقومون بقيادتها ، وغيرها من الالتزامات التي رفضوا بموجبها أي نمط من أنماط التغيير .
ونبه فضيلته  إلى أن هؤلاء يوجد عندهم في كثير من الأحيان مرجعية أشبه ما تكون بمرجعية فقهية تأخذ من الكتب السماوية السابقة   ، مشيرًا إلى أن هناك تغييرات إيجابية وتسهيلات كثيرة لم يتقبلوها أو لم يستجيبوا لها .
قضية سننية
وأكد الدكتور العودة : أن رفض التغيير يعد قضية سننية ، مشيرًا إلى أنه يعد أيضًا رفضًا لتوليد الأفكار الجديدة ، فالتغيير هو عبارة عن أفكار جديدة  ، أو تخلٍ عن أفكار قديمة وكلا الأمرين يواجه الناس فيه صعوبة ، فالكثير من الناس يجد صعوبة في أن يتخلى عن فكرة قديمة لأن هذه الفكرة أصبحت مقدسة ،  ليس لأن عليها الدليل ولكن لأنه عاش معها فترة طويلة من الزمن .
وأضاف فضيلته : أنه سواء تخلي الإنسان عن أفكار قديمة ، مثل أن يكون الإنسان  يكفّر الناس أو يُكفّر فئة من الناس ، أو كانت هذه الأفكار تتعلق بالنظر إلى الذات ، أو الكمالية في الذات ،  فإن تغيير هذه الأفكار القديمة أو اقتباس الأفكار الجديدة وتوليدها يحتاج إلى جرعة  ، مشيرًا إلى أن  القول بتقديس الفكرة القديمة لا يلزم أن يقدس جميع الناس هذه الفكرة.
إصرار .. ولكن
وذكر الشيخ سلمان : أن الناس عندما يواجهون التغيير ، فإنهم يبرز  منهم القائد ، والذي من الطبيعي لن يرفض التغيير لأنه قائده ، لكن هؤلاء القلة قد يصلون إلى 2.5% وهناك فئة ربما عندهم استعداد سريع وتقبل للتغيير قد يصلون إلى 13.5% ، وهذا يشير إلى أن 16% من الناس من عادتهم أن يكونوا في موقع القيادة للتغيير ، يقابلهم 16% من الناس من طبعهم الرفض المطلق للتغيير ، ويبقى الوسط 34% من الناس عندهم ميل إلى قبول التغيير ، وهذه أغلبية تقبل التغيير ، ومثلهم تماماً 34% عندهم نوع من التردد أو الشك وميل إلى رفض التغيير وإنما بحسب ما يحدث من نجاح التغيير يكون قبول هؤلاء الناس .
وأشار فضيلته : إلى أن الناس يقومون بالرد على التغيير بالقبول أو الرفض ، ثم يقومون أحياناً بمحاولة استكشاف التغيير والتعرف عليه ، ثم يتحولون إلى قبول التغيير في حالات كثيرة خاصة إذا كتب له النجاح ، وأخيراً يتعصبون لهذا التغيير ، ، لافتًا إلى أن الذين يرفضون التغيير بالأمس كانوا  متعصبين ومستعصين على تغيير قادم ؛ ولذلك تجد أن بعض المصلحين يتحولون إلى عقبات لأنهم مصلحون في مرحلة من المراحل ، كما يريدون من الناس أن يستجيبوا لهم ،  لكن في مرحلة أخرى أصبحوا هم عقبة لأنهم مصممون أو مصرون على التغيير الذي أحدثوه هم قبل ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة .
الخوف من المجهول
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن الإنسان يخاف من القادم ليس إيماناً بما هو عليه ولكن خوفًا من مجهول ، قال الشيخ سلمان: إنه فيما يتعلق بالدوافع الذاتية التي تجعل الإنسان يرفض التغيير ،  الخوف من القادم أو ما يمكن أن نسميه بـ"الخوف من المجهول" ، فالإنسان يقارن أحياناً بين واقع يعيشه ويراه ورؤية أو وعد ليس متأكداً منه ،  فيصبح لا يستطيع أن يتقبّل هذا التغيير القادم لأن الواقع الذي يعيشه مقبول بالنسبة له ، ولذلك دائماً يقولون : "شيطان تعرفه أفضل من شيطان لا تعرفه" ، كما أن بعض الناس يقول كلمة شعبية : "تمسك بقردك حتى لا يأتيك من هو أقرد منه".
وأضاف فضيلته : أن الخوف من المجهول يكون من خلال الخوف من النقد لأن التغيير يصاحبه خطأ ، فهو ليس خارطة منزلة من السماء ، بل هو محاولة ويصاحبه خطأ ولذلك فالناس قد ينتقدون هذا التغيير  ، أو يخافون من النقد أو الخطأ أو الفشل ، ولذلك يرفضون مثل هذا التغيير باعتبار أنهم لا يريدون أن يتحملوا بعض النتائج المترتبة عليه .
ثقة مفقودة
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن فقدان الثقة في الذي جاء بالتغيير ، يدفع من يقدم هذا التغيير  إلى ألا يقدم نفسه كنموذج صالح للتغيير ، قال الشيخ سلمان: إن الحديث عن الخوف من التغيير يشمل التغيير إذا كان شخصيا أو يتعلق بمشروع عام ، مثل أن يفقد الإنسان الثقة بهذا المشروع ، ولكن الإنسان قد تكون عنده أحيانًا مشاعر سلبية ، وذلك مثل ، الجبرية ، وهو أن يشعر الإنسان بأنه مجبور على هذا الشيء ، حيث  يعتبر أنه قضاء وقدر أو أن تكوينه النفسي هكذا خُلق ، أو أن بيئته التي نشأ فيها مع والديه ومع أسرته أو المدرسة أو الحي أو الأصدقاء أو التكوين السيكولوجي الذي عاشه يفرض عليه فرضاً أن يكون بهذه الصفة ، بحيث تكون لا رغبة لديه في أن يغير نفسه لأنه يعتقد أنه ضحية .
وضرب فضيلته ، مثالاً لذلك ، قائلاً:  لقد ذكرت ذات مرة قصة الرجل  المدمن  الذي صار ابنه الأكبر مدمناً وعندما  سئل قال : طبيعي مثل أبي المدمن ، وكما يقول الشاعر :
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا       عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
في حين أن الابن الثاني تحول إلى مهندس مبدع وراقٍ وأصبح مدير مؤسسة فسألوه ، كيف هذا ؟ فقال : والله ماذا تتوقعون إذا كان أبي مدمناً ، وأخي الأكبر كذلك وحياتهم في السجون وعندي الأم والبنات والأولاد والأسرة ، فلم يكن أمامي طريق إلا أن أُبدع وأبتكر وأتفوق في دراستي ، وبالتالي أصبح له قيمة ونفوذ.
الجبرية.. ورفض المدفعية
وأوضح الدكتور العودة أن الجبرية هي عبارة عن إحساس الإنسان برد فعل الآخرين تجاهه سواء كان هذا الإحساس عبارة عن عدم ثقة أو أنهم فرضوا عليه فرضاً معيناً  ، بينما المفروض أن يكون عند الإنسان إحساس بأن أفعال الآخرين تؤثر فيه بنسبة 20% على الأكثر وأن 80% هو تأثير أفعاله هو على نفسه وعلى القرار الذي يتخذه ، مشيرًا إلى أن الإنسان قد يرفض التغيير بسبب الجهل ، حتى جهل العالم بالرفض  ، فمن الذي ينسى منا عملية البنج ، ففي البداية كان الكثير من الناس يرفضون استخدام البنج في العملية ويفضل الواحد منهم أن يقوم بعملية جراحية وهو مربوط من رجليه ويديه على السرير ويعاني الألم ، مع أن عادة الإنسان أنه يبحث عن كل ما يتلافى الألم ومع ذلك يعاني الألم ولا يستخدم البنج بسبب الجهل وعدم إدراك أهميته .
وتابع فضيلته : أن هذا الرفض قد يكون بسبب رأي أو فتوى ، وعلى سبيل المثال ، فإن رفض المطبعة في البداية ساهم في تأخر العالم الإسلامي كثيراً ، كذلك  رفض ترجمة المصحف إلى لغات العالم تحت ذريعة أن هذا يمكن أن يحدث سلبية في فهم القرآن أو يكون سبباً في اللبس أو في ما أشبه ذلك وظل لفترة يردد مثل هذا الكلام ، كذلك رفض المدفعية في الحرب ، فقد كان العالم الإسلامي في جو عسكري مع القوى الغربية ومع ذلك كان هناك رفض للمدفعية ، وأحياناً نوع من الرفض الشرعي بحكم أن هذا منتج غربي .
أدلة شرعية
وتساءل الشيخ سلمان : هل نحتاج إلى أدلة شرعية في من القرآن أو من السنة على جواز المدفعية ،  مشيرًا إلى أننا سنجد دليلاً كما في قوله -سبحانه وتعالى- (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)(الأنفال: من الآية60) وقوله صلى الله عليه وسلم : "ألا إن القوة الرمي ألا أن القوة الرمي".
وأردف : لكن ليس هناك حاجة أصلاً إلى البحث عن أدلة في أمور داخلة في دائرة العفو والمباح والمصالح العامة ، مشيرًا إلى أن جهل العالم أمر مؤثر .
النموذج الرمز
وتعقيبًا على مداخلة ، تتحدث عن النموذج الرمز الذي يقدم التغيير وأنا متخوف منه ، قال الشيخ سلمان: ولذلك فإن الحاجة إلى وجود نموذج أو أسوة أو قدوة أمر هام جدًا ، وعلى سبيل المثال ،  فإن الخطيب الذي يوماً من الأيام طلب منه أحدهم أن يخطب عن الإنفاق لأنه فقير ، فتأخر قليلاً ثم خطب واستجاب الناس ، فسأله : لماذا تأخرت ؟ قال : لم يكن عندي مالاً حتى أقوم بالصدقة ، فلما توفر المال وتصدق قام بإلقاء هذه الخطبة ودعا الناس فيها إلى الإنفاق فاستجاب الناس له .
وأضاف فضيلته : نحن كثيراً ما نقول الكلام الجميل ولكن الناس يحتاجون أن يروا الفعل الجميل أيضاً متزامناً مع هذا الكلام ، مشيرًا إلى أن هذا لا يعني أن الكلام الجميل لا يصلح ، ولكن كلما كان هذا الكلام الجميل مرهوناً بتطبيق عملي كلما كان ذلك أدعى إلى أن يستجيب الناس له ويتفاعلوا معه ؛ ولذلك قال نبي الله شعيب : (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)(هود: من الآية88) ، ولذلك فإنه من التغيير الذاتي توفر القناعة التي تكون نتيجة رؤية الآخرين .
الإنترنت.. والفضائيات
وأوضح الدكتور العودة:  وعلى النقيض ، فإن كثيرًا من الناس ربما يرفضون التغيير بسبب نظرة انتقائية عندهم لشيء معين ، أو لسلبية من سلبيات التغيير ، وعلى سبيل المثال ، فإنه عندما  جاء الإنترنت رفضه فئة من الناس ، وذلك لأنهم لم يقرؤوا في الإنترنت إلا ما يتعلق بغرف البالتوك أو المواقع الإباحية أو التواصل مع قوى شرقية أو  غربية .
وتابع : كذلك عندما جاءت القنوات الفضائية نظر بعض الناس إلى جانب العري والصور والأغاني والإثارة ولم ينظروا إلى وجود قنوات كثيرة تهتم بالأخبار وتتابع الحدث أولاً بأول وتصنع قدراً من الوعي وتعالج معاناة المسلمين في فلسطين أو في باكستان والعراق أو تعالج تطورات معينة .
ابتعاث.. وعمل
وذكر الشيخ سلمان : أن هناك من يرفض التغيير المرتبط بعملية الابتعاث سواء في المملكة أو في ليبيا أو في أكثر من بلد ، والتي يرفضها البعض تحت ذريعة أن هناك شابًا في أمريكا ربما وقع منه خلل ، أو شابًا آخر ربما قبضت عليه أجهزة الشرطة في بلد آخر ، أو لأن شابًا ثالثًا فشل في دراسته  ، لكن عندما تتخيل أن هناك مئات الألوف من الشباب والفتيات ذهبوا وتعلموا واستفادوا وانتفعوا وتطوروا وسجل بعضهم مستويات متقدمة في الجامعات التي يدرسون فيها ، وعادوا وهم محافظون على دينهم وقيمهم وأخلاقياتهم ومع ذلك أيضاً لديهم قدر من العلم ، فإن الأمر قد يتغير .
كذلك عندما ينظر الإنسان إلى التغيير المرتبط بالآلة ، حيث ربما يقول البعض : إن حضور الآلة سبب البطالة عند كثير من الناس ولذلك ينبغي أن نستغني عنها  ، وكذلك عندما نتحدث عن التغيير فيما يتعلق بالتعليم والعمل سواء عمل الرجل أو عمل المرأة ، فإنك ستجد من يقول إن هذا أثر على الأسرة وترابطها وتقاربها وأوجد قدراً من الفراغ وربما حصل أخطاء هنا وهناك  ، ولعل هذا يؤكد أن البعض ربما يلاحظ وينتقي بمقياس معين وربما يقوم بتعميم حالات فردية يكون بسببها رفض عند هذا الإنسان للتغيير .
إحساس بالعجز
وفيما يتعلق بأن الإنسان قد يقاوم التغيير للحفاظ على امتياز معين ، قال الشيخ سلمان: هذا صحيح ، مشيرًا إلى أن هناك ثلاث حزم -إن صح التعبير- في مقاومة التغيير ، يأتي في مقدمتها : تغيير الذات أو المقاومة من داخل الذات ، والتي تواجه بعض المشكلات مثل الجهل ، وعدم الثقة ، وأخيرًا الإحساس بالعجز ، لافتًا إلى أن الكثير من الناس عندما تطالبه بتغيير حتى على صعيده الفردي ، فإن العائق أمامه يكون الإحساس بالعجز ، وعلى سبيل المثال ، فإذا كان هذا الشخص مدخن ، وأنت تريده أن يقلع عن التدخين ، فهو كثيراً ما يتحجج بأنه عاجز أو أنه لا يستطيع وربما ينسب إلى الآخرين أو المجتمع .
وأضاف فضيلته : أن العجز في الغالب يندفع من الذات ، فالفرص موجودة ، وعلى سبيل المثال ، فإننا نتذكر قصة الزملاء الذين كانوا في شركة وجاءوا في الصباح ووجدوا لوحة مكتوب فيها أن زميلكم الذي كان يعوقكم ويحول بينكم وبين الترقية والإبداع والإنجاز قد توفي البارحة ، فحزن  الجميع لأن زميلهم قد مات ولكن من باب الفضول ، كان كل واحد منهم يدخل وعندما يذهب ويقترب من الكفن ينظر يريد أن يعرف من هو هذا الزميل الذي مات ، فيجد أن هناك زجاجة مرآة يرى وجهه فيها ، ومكتوب "هذا هو الشخص الذي يعوقك عن التغيير والنجاح ! ".
العائق الأكبر
وأوضح الدكتور العودة: أننا ينبغي أن ندرك دائماً أن العائق الأكبر عن التغيير أياً كان هذا التغيير هو أنت وليس أي أشخاص آخرين يمكن أنت تتوقع أنهم يقومون بالتغيير ، وقد يكون هذا التعويق من قبل الذات نتيجة غياب الوعي  ، مشيرًا إلى أن بعض الناس يظن أنه لا يتغير ، وعلى سبيل المثال ، فإنني أتذكر أحد الأطفال كان يقول : إذا كبروا أولاد الحارة من الذي سوف يلعب معي ؟! فهو يتخيل أن الآخرين يتغيرون ويكبرون لكن هو لا يشعر بأنه يكبر أو يتغير ، لافتًا إلى أن ذلك ربما يرجع إلى غياب الوعي عند الإنسان عما يحدث في المجتمع أو غياب الوعي عن الفرص والإمكانيات الموجودة ، أو توهم الكمال .
وتابع فضيلته : أن بعض الشباب قد يرى أنه في الدنيا ملك لأن عنده نوعًا من السلطوية ، فهو يشعر بأنه ينتمي إلى أسرة أو منطقة أو بلد له سلطة ، فيورث هذا عنده فوقية فهو في أمور الدنيا ملِك أو كالملك في تصرفه ، وعنده إحساس بالطهورية والصفائية مفرط ، مشيرًا إلى أن هذا الإحساس المفرط بالسلطوية والطهورية يعد عائقًا أكبر ضد أي تغيير ، لأنه ما الذي يحمل إنساناً يشعر بالكمال الدنيوي على أن يتغير أو إنساناً يشعر بالكمال الأخروي على أن يقوم بالتطور .
ضبابية في الهدف
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن الضبابية في الهدف تحرم الإنسان من الاقتناع بأي تغيير قادم ، قال الشيخ سلمان: إنه يفترض أن يكون في التغيير مراعاة للوقت ، بحيث يكون الوقت ملائماً للتغيير ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس:96)  ، أو (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ)(الزمر: من الآية19) ، موضحًا أن المقصود في هذه الآية هو العذاب الأخروي ، في حين أن العذاب الدنيوي هو تغيير ، لكنه نحو الأسوأ .
وأضاف فضيلته : أنه قد يوجد  عند الناس نظر إلى واقع معين إلى بلد من البلاد وليكن هذا البلد بلداً مثلاً محارباً للعالم الإسلامي ، أو للمسلمين مثلما تجد في إسرائيل -على سبيل المثال- حيث يتعجب الناس من البقاء والاستمرار والديمومة ، لافتًا إلى أنه وإن وجد قدر من الظلم إلا أن السنة لم تتحقق بالكامل ، فلا زال هناك مسوغات ، وقبول اجتماعي ، ونظام من الأنظمة أو دولة من الدول أو حكومة من الحكومات فيها قدر من الظلم لكن لا زال عندها قدر من الشرعية الاجتماعية ، والقبول الاجتماعي لوجودها ، أو إحساس الناس بأنها ظل لهم ، أو إحساسهم بأن الأمن يتم من خلال وجود هذا الغطاء ولو كان واهياً أو من خلال الاستقرار  ، أو من خلال الاجتماع  ، لأن كثيراً من البلاد وخاصة البلاد الإسلامية كانت متفرقة جداً وكان بينها حروب .
حروب.. وتدرج
وأوضح الدكتور العودة: أن هذه الحروب لم تكن بين بلد وبلد ، بل كانت بين مدينة ومدينة وقرية وقرية ، فليس سراً أنه في مدينة الرياض يوجد  حيان ، الأول: مقرن ، والثاني: معكال ، وهذه أحياء قديمة ، قد لا يعرفها من يعيش في الرياض لأنها أحياء صغيرة وقديمة جداً ، حيث كان بين هذه الأحياء معارك فقد كانوا يتحاربون ويتقاتلون فيما بينهم ، لافتًا إلى أن شعور الناس بأن هناك استقرارًا وأمنًا وشرعية اجتماعية يغطي على كثير من الأخطاء التي قد تقع سواء وقعت الأخطاء من فئة أو من طرف أو من مسؤول أو وزير أو من غيره لأن المصالح تصبح أكبر وأعظم ، فما دامت الشرعية قائمة فإنه حتى لو وجدت أخطاء فإن هذا لا يبرر الأخطاء التي يجب أن تزال وتحارب .
وتابع فضيلته : أن التغيير هو عملية لابد أن يراعى فيها المرحلية والزمن ، فعندما يريد الناس أن يغيروا دفعة واحدة أو بسرعة لا تتناسب فإن حرق المراحل وإلغاء التدرج أمر خاطئ ، فالتدرج سنة شرعية في الدعوة إلى الله، وفي الحديث الشريف: "فليكن أول ما تدعوهم إليهم شهادة أن لا إله إلا الله" ، كما نزل تحريم الخمر متدرجاً ، والقرآن نزل منجماً .
عملية مدروسة
وأكد الشيخ سلمان على أهمية أن تكون عملية التغيير نفسها عملية مدروسة وناجحة، مشيرًا إلى أنه لو كان التغيير عملية ارتجالية أو عشوائية أو غير مخططة، فإن هذا مدعاة لأن يقاومها الناس لأنهم لم يجدوا هناك نجاحًا لها مثل غياب القيادة في عملية التغيير، ووجود توافق قيادي، موضحًا أن وجود تناغم بين الأطراف المختلفة يجعل الناس يشعرون بأن هناك شيئًا مدروسًا مخططًا مرتبًا، في حين أن غياب الرؤية والهدف، وعدم إشراك الجمهور أو وجود تواصل معهم يعرفون من خلاله عملية التغيير، فإنه يؤثر بالتأكيد على عملية التغيير.
وأشار فضيلته إلى أن غياب القدوة أو غياب النموذج العملي لهذا التغيير، أو إذا كان التغيير وقع فيه اختلال من خلال غياب الرؤية، أو غياب الهدف، أو غياب الخطة، أو تأخر النتائج التي يمكن الحصول عليها، أو شعور الناس بأن هذا التغيير مؤقت وأنه مرتبط بظرف خاص وربما يذهب في مهب الريح عند أول طارئ يجعل الناس لا ينتمون إلى هذا التغيير أو لا يتحمسون له.
عادات.. وتقاليد
وتعقيبًا على مداخلة، حول استحكام العادة والتقاليد لدرجة أصبحت مقدسة عند عموم المجتمع مما يؤثر على عملية التغيير، قال الشيخ سلمان: إن المجتمع هو محل التغيير، خاصة إذا كان التغيير عامًا، فالمجتمع هو هدف أو مقصد أو ميدان للتغيير، ولذلك فإن الأسباب الاجتماعية في رفض التغيير هي أسباب وجيهة وكثيرة جدًا، حيث يمكن أن نشير في هذا الأمر إلى عدة نقاط:
1 ـ الثقافة الاجتماعية: فكل مجتمع عنده ثقافة، والتي يقصد بها العادات ؛ سواء أكانت سلوكية، أم فكرية، أم لغوية، فهذه العادات هي التي تشكل هوية المجتمع من طريقة اللباس، والأكل، والعلاقات بين الناس، وقيادة السيارة، وكل هذه تسمى ثقافة.
ولفت فضيلته إلى أن ثقافة المجتمع ربما تكون ثقافة عصية على التغيير، فبعض الثقافات قد تكون سلبية فيها قدر من اللامبالاة، فقد تجد كثيرًا من الشعوب العربية اليوم شعوبًا -إن صح التعبير- محبطة ليس عندها مبالاة، كما تجد المواطن العربي لا يهمه ما الذي يحدث، وكما يقولون في بيت شعر كثيرًا ما قرأته وطربت له:
أَلا لا تُبالي العيسُ مِن شَدِّ كورِها عَلَيها وَلا مِن زاعَها بِالخَزائِمِ

أي: أن الإبل لا يهمها من الذي يشد عليها الحمل أو يضربها ويروعها، فالمهم أنها تتألم وأنها تعاني.
وذكر الدكتور العودة أن المواطن العربي في كثير من الحالات يشعر بأن الحديث عن التغيير كأنه أجنبي أو كأنه لا يعنيه، مشيرًا إلى أنه أحيانًا قد يتكلم بكلام جميل وإيجابي إذا كان أمام الناس أو في مجال عام، لكن إذا خلا بعضهم إلى بعض ظهرت ألوان من اليأس والإحباط ؛ مؤكدًا  أن رفع حالة الإحباط واليأس من أهم القضايا التي ينبغي أن يستهدفها أولئك الداعون إلى التغيير سواء كانوا في موقع السلطة والقيادة أو كانوا في موقع الفكر والعلم.
2 ـ الثقافة السائدة: حيث تجد أن العنصرية داخل مجتمعاتنا ما بين قبلي وغير قبلي، فالمناطقية والاثنية والعرقية هي جزء من الثقافة التي ربما تستعصي كثيرًا على التغيير، حيث تجد أن كل أحد يقول: إنني أغيّر إذا غيّر الآخرون ولكن هو في ذهنه مسبقًا أن الآخرين ليس لديهم رغبة في التغيير، ولذلك فكل ما هنالك هو أن علينا أن نبقى كما نحن، وأن نعيد إنتاج هذه الأشياء ونلقنها لأولادنا حتى لا ينسون أنهم ينتمون انتماءً عصبيًا وعنصريًا إلى هذه القبيلة أو المدينة أو البلد.
3 ـ الصراع: وهو نوع من الثقافة، وذلك أن نعتقد نحن أن المطرقة هي حل لكل الأشياء، فإذا كنت تعتقد أن كل ما أمامك هو مسمار فسوف تتعامل بالمطرقة ! بينما أحيانًا تستطيع أن تقول إن التعامل أو استخدام العقل والفكر والحيلة والذكاء هو أولى وأهم ويغني عن استخدام اليد، بل إن أفضل الحروب هي تلك التي نجح الإنسان فيها دون أن يخوضها، موضحًا أن هناك العديد من العادات الثقافية الموجودة في مجتمعاتنا والتي تساهم في تأخير أو مقاومة التغيير.
المصريون.. والنكتة
وتعقيبًا على تقرير الحلقة، والذي تحدث عن أن المجتمع المصري يقاوم التغيير بروح النكتة، قال الشيخ سلمان: إنه كما العرب يقولون: "شر البلية ما يضحك"، لكن هذا قد يعبر أحيانًا عن النكتة، فهي تعبير، أتذكر قديمًا أبيات الراحل نزار:
لو كان لي لسان
لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان
قلت له: يا حضرة السلطان
كلابك المفترسات مزقت حذائي
ومخبرك دائمًا ورائي
أنوفهم ورائي
أصواتهم ورائي..
أنفاسهم ورائي كالقدر المكتوب كالقضاء
يستجوبون زوجتي ويكتبون عندهم أسماء أصدقائي
يا سيدي لقد خسرت الحرب مرتين
لأن نصف شعبنا ليس له لسان
يا سيدي لقد خسرت الحرب مرتين
لأن نصف شعبنا محاصر كالنمل والجرذان !
وأضاف فضيلته أن النكتة ربما تكون مهربًا مثل "كليلة ودمنة"، حيث يقولون إنها عبارة عن رسائل سياسية، حتى لا يتحمل الإنسان تبعتها أو لا يكون معروفًا بها، لافتًا إلى أن الشعب المصري على وجه الخصوص يتميز باللطف وخفة الدم وخفة الروح والقدرة على التكيف، وهذه ميزة، فهناك بعض الكتاب الذين كتبوا عن طبيعة الشعب المصري مثل جمال حمدان، أكدوا أن هذا الشعب عنده قدرة على التكيف والمرونة جعلته يحافظ في كل الظروف سواء أيام الاستعمار، أو أيام الغزو؛ أيام التتار، وأيام الصليبيين جعلته يحافظ على ذاته، بل الكثير من الشعوب صارت تذوب في هذا المجتمع وتلاحظ أن هذه الفكرة انتقلت إلى عدد من الشعوب.
وضرب فضيلته، مثالاً لذلك، قائلاً: لقد أعلنوا في المملكة في المواقع الإلكترونية قبل فترة، أن بعض الشباب أشاع أنه مراقب وهذه إشاعة غير صحيحة فصارت هناك نكت كثيرة يتم تداولها بطريقة ذكية تدل على أن الناس بدءوا يلتقون هذه الطريقة في التعبير.
الفوز مع الناس
ولفت الشيخ سلمان إلى أنه يوجد كتاب ليس لصيقًا بمقاومة التغيير ولكنه على علاقة قوية جدًا بالتغيير فأتمنى أن يقرأ الإخوة كتاب "الفوز مع الناس" لمؤلفه ماكسويل وهو عالم أمريكي.
المرأة.. تصنع المعجزات
وتعقيبًا على أهم ما أثير في وسائل الإعلام حول حلقة الأمس، وقدمه الأستاذ أحمد الفهيد، مشاركة تقول: لماذا تعتقدون أن المرأة لا يمكنها أن تصنع التغيير، إن كانت أجسامنا ضعيفة وقلوبنا رقيقة فعقولنا يمكنها أن تصنع المعجزات "، قال الشيخ سلمان: إنني لا أعترض بل أؤيد كلام الأخت، وكما يقول الشاعر:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ
وتأكيدًا على أن للمرأة دورًا هامًا وكبيرًا في التغيير قال فضيلة الشيخ: إن الله تعالى يقول : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران: من الآية195).
وفيما يتعلق بأن هناك من أغضبه ظهور فتاة معاقة لا تتكلم على شاشة البرنامج، قال الشيخ سلمان: إن الأمر ليس فيها قصد إظهار لغرض يتنافى مع القيم أو يتنافى مع الأخلاق إنما هو ضمن مبادئ القيم والأخلاق المطلوبة.
سقوط أمريكا
وفيما يتعلق بأن البعض يعترض على حديث الشيخ سلمان عن استبعاد سقوط أمريكا، وذلك بسبب نظام مؤسسي عادل، قال الدكتور العودة: إننا عندما نتحدث عن العدل في أمريكا، فإننا لا نقصد العدل المطلق، فقد يوجد الظلم ولكن لا يصل الظلم إلى حد أنه يصبح كافيًا في أن تحق عليهم السنة ؛ لأن هناك جوانب قدرة على التصحيح.
وضرب فضيلته، مثالاً لذلك، قائلاً: لقد ذكرنا أن أمريكا عندها نظام مؤسسي يسمح بالتصحيح فالذي جرى في عهد الإدارة الأمريكية السابقة من الواضح أن الإدارة الحالية لا تمضي في نفس الاتجاه، صحيح أنها ملتزمة بأمن قومي، وملتزمة بقواعد معينة، ولكن عندها رغبة في تصحيح بعض الأشياء والرجوع عن بعض القرارات، وعلى سبيل المثال سحب القوات الأمريكية من العراق يمكن أن يكون نموذجًا وإن كان محفوفًا طبعًا بقضايا معينة.
انتقائية.. وظلم
وأوضح الشيخ سلمان  أننا حينما نتحدث عن قدر من العدل في الغرب ، فإن المقصود هو العدل مع شعوبهم ، لكن العدل مع العالم ففيه نظر ، لأن أمريكا تخضع ذلك لعلاقاتها السياسية مع الدول ،  فحينما تكون علاقتهم مع الصين ممتازة فإنهم يتجاهلون الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان لكن إذا توترت العلاقة أشاروا إلى قضية قتل الطلبة في الميدان وحقوق الإنسان وما يتعلق بالإنترنت ، وعندهم ملفات يثيرونها عندما تتوتر الأمور السياسية ويسكتون عنها إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك !
وأضاف فضيلته  أن هناك قدراً كبيراً من الانتقائية وعدم العدل إذا كان الأمر يتعلق بالآخرين ، وهذا موجود في السياسة الأمريكية والغربية بشكل عام ، فحديثنا كان عن وجودهم داخل شعوبهم وداخل دولهم .
أمريكا.. والقوة العسكرية
وفيما يتعلق بأن أمريكا هي الدولة الأولى في العالم وذلك بسبب قوتها العسكرية ، قال الشيخ سلمان : إنني لا أوافق على هذا الرأي ، وذلك لأن روسيا كانت قوة عسكرية ضاربة ومع ذلك انهارت وأصبحت قوتها العسكرية عبئاً عليها ، فالقوة العسكرية مفيدة إذا كان النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي قائماً .
وأضاف فضيلته : أما إذا انهار هذا النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، فإنه لن تنفعه قوته ، كما الله -سبحانه وتعالى- وذكر هذا عن اليهود في القرآن الكريم ، حيث قال : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)(الحشر: من الآية2) ، فإذا تغيرت القلوب وإذا وُجد حالة من الهزيمة النفسية لا تنفعهم قوتهم .
اغتنام الفرص
وتعقيبًا على مداخلة ، تتحدث عن المقاومة حين تنبع من التغيير ذاته ، قال الشيخ سلمان: إنه من الضروري البحث عن الفرصة وعن الوقت المناسب ، وكما يقول المثل: "الفرصة مثل الأرنب البري يقفز فجأة ويختفي فجأة" ، مشيرًا إلى أننا في عالمنا العربي والإسلامي – لابد أن تكون عندنا مهارة البحث عن الفرص السانحة  بحيث تؤدي هذه المشاريع التغيرية إلى هدفها المنشود ، فإذا كان على صعيد الفرد فإننا من الممكن  أن نقول أن رمضان فرصة رائعة للتغيير ؛ لأن الذي لا يتغير في رمضان قد يكون أعجز عن التغيير في غيره غالباً وإلا قد تأتي الفرص تخص هذا الشخص في وقت من الأوقات .
وأضاف فضيلته:  لكن على صعيد  التغيير العام سواء التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي ، فإن هناك حاجة إلى اغتنام الفرص ، فدائماً الأزمات هي فرص كما أشرنا ، بل إننا ربما نعيش الآن في ظل المتغير الدولي المتغير الهائل ، مشيرًا إلى أنه لابد من مراعاة الوقت والفرصة وذلك أن الإنسان ربما لا يدرك حجم الفروق التي توجد في هذا المجتمع ، متسائلاً: ماذا سيتقبل الناس إذا لم يكن التغيير نابعاً من إرادة الناس أنفسهم ؟ .
تغيير غير محدد
وأردف الدكتور العودة أن الناس يتطلعون إلى تغيير لكن غير محدد عندهم ، فهم يرفضون نمطاً معيناً وليس عندهم حل ، وذلك لأن الناس يريدون التغيير أم لا يريدونه ؟ فالواقع الآن أن الناس في مصر وسوريا والسعودية والعراق وإيران ، أو في أي بلد ، إذا تحدثت معهم ستجد أن عندهم نقدًا وعتبًا وسخطًا وتذمرًا ، وهذا معناه أنهم يريدون التغيير ، لكن إذا سألتهم ما هذا التغيير الذي يريدونه ؟ وما لونه ؟ وما شكله ؟ وما صفته ؟ وما طبيعته ؟ تجد أن هذه الأسئلة ليس لها جواب .
وتابع فضيلته : لذلك فإن أي تغيير يأتي ربما يكون مرفوضاً من الجملة عند هؤلاء الناس ، وهذا يؤكد فعلاً على أهمية أن يكون هناك مشروع مدروس بحيث يحصل على موافقة عدد كبير جداً من الناس ، حيث يدري الناس أن هذا التغيير ليس لمصلحة شخص بعينه  ، وليس ليوضع في جيب فلان أو علان ، وإنما هو تغيير في النهاية سيصب في مصلحتهم هم ، ففي هذه الحالة ستصبح المقاومة نفسها ضعيفة وتتلاشى مع الوقت بدلاً من أن نصبح فقط نجتر الآلام والمعاناة مرة بعد مرة دون أن نحلم بضوء في آخر النفق .
عقبات كبرى
وفيما يتعلق بأنه يوجد في كل مجتمع عقبات كبرى يجب أن نحترمها ، قال الشيخ سلمان : إنه ربما  لا يتم تصور العقبات الضخمة التي تحيط بالتغيير   ومن ذلك  التهوين من شأن الخصوم والأعداء أو من شأن التحديات التي يمكن أن توجد ، لافتًا إلى أن الإفراط في الثقة بالنفس أحيانًا يضر بملية التغيير.
وذكر فضيلته طرفة ، قائلاً:  إن شخصًا كان يمشي عكس الاتجاه بسيارته ويلتقط صوت اللاسلكي العسكري يقول : فكانت هناك "سيارة تمشي عكس الاتجاه" ، طبعاً يقصده هو لكن هذا الإنسان يرى  الناس كلهم قادمين ، فيقول : "ليتها سيارة واحدة فكل الناس ماشين عكس الاتجاه !" ، فهو يعتقد أنه هو الصحيح.
تغيير إيجابي
واستطرد الدكتور العودة: إننا اليوم كلنا منظرون ، فكثير من الناس هو منظّر ويحل مشكلات العالم ريثما يتناول فنجاناً من القهوة ، حيث هناك حالة من العدمية -إن صح التعبير- ، مشيرًا إلى أن هذه فرصة سانحة وضخمة لا أقول لنعيد التجارب الفاشلة في الماضي القريب في محاولات التغيير،  ولكن أن يكون هناك تواضع أو توافق حكومي وتوافق مع رجال الفكر والثقافة والعلم ورجال الإعلام ومع رجال المال والاقتصاد بحيث يكون الجميع مستفيدين ، لافتًا إلى أن هذه هي ميزة التغيير الإيجابي  ، وهو أنه في الغالب ليس على حساب أحد معين إلا الفاسدين والمفسدين وإلا فالكل يستفيد منه .
وتابع فضيلته  أن التغيير هو الصفقة الإيجابية التي ينتفع بها الجميع ، فيستفيد منها الحاكم استقراراً وسمعةً وذكراً حسناً ، كما يستفيد منها المواطن في تحسين أوضاعه المعيشية ، كذلك يستفيد منها العالم أيضاً في مكانته ومشورته ، كما يستفيد منها الرجل والمرأة والجيل الحاضر والمستقبل من التنمية المستدامة.
نية طيبة
وتعقيبًا على مداخلة، تقول : متى ما كان على المجتمع أو الفرد نفسه أن خلف هذه المقاومة مصالح جماعية أو شخصية فقد الثقة تماماً بها ؟ ، قال الشيخ سلمان:
نعم هذا مؤكد في الثقة بالتغيير ، إنما الأعمال بالنيات ، فالكثير من الناس ربما يعتبرون هذا الكلام كلاماً غيبياً  ، والواقع أنه كلام مهم جداً وعظيم بل هو قبل الماديات كلها أن تكون المقاصد حسنة والكلمة الطيبة إذا كان صاحبها بنية طيبة كتب الله لها القبول والتأثير على الناس ، كما أن القرار الحكيم إذا صدر بنية طيبة كان له تأثير أكثر مما يتوقع الناس ، بل إن بعض الأشياء إذا صدرت بنية كان أثرها أكثر مما يتوقع صاحبها نفسه الذي قام بإطلاقها .
وتساءل فضيلته : متى نصل إلى النية الطيبة ومتى نصل إلى حسن الظن فيما بيننا ؟ ، بحيث يحرص الناس على أن يحسنوا الظن بالآخرين بدلاً من تبادل التهم، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أننا في رمضان ، إلا أنك تجد أن الكثير من الناس من أسهل الأمور عليه الكلام في فلان وعلان واستحلال أعراض الخلق والكلام فيهم بقسوة وشدة ، ونشر شائعات أحياناً قد لا تكون حقيقية ، وكلها تصب في خانة الإحباط ، وكذلك حتى الأعمال الطيبة ، فإذا قيل إن فلانًا يصلي قال : الله أعلم بالمقصد والنية ، فلماذا لا نأخذ ظاهر الناس ولا نتذاكى أو نتشاطر أننا نبحث عن الأعماق والنيات حتى لا يبحث الناس أيضاً عنا ويفتشوا فينا .
تغييراً قدرياً
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يقول : إن التغيير ليس شيئاً أسطورياً أو معجزات ، قال الشيخ سلمان : هذا الكلام وإن كان نظرياً صحيح والكل يوافق عليه ، لكن عملياً أظن أن أكثر الشباب الذين يطمحون في التغيير هم ينتظرون تغييراً قدرياً سماوياً أسطورياً معجزاً ليس لهم فيه يد ،  أما أن يكون هناك خطوة ولو كانت بسيطة فالكثير ربما يترددون فيها كثيراً ويحجمون .
وأضاف فضيلته  أن مسألة التغيير وأن يكون التغيير مشبوهاً أو أن يكون التغيير شخصياً ، فإن الكثير من الناس الذين لهم دور في القيادة ينبغي أن يكونوا في مقام القدوة والأسوة والنموذج ، لأن أي شيء مهما كان ربما يؤثر فيهم ، ولذلك فإنه لا يكون الإنسان يطلب مالاً ، وأن يكون متوسطاً لا ثرياً فيتحوّل إلى إنسان يرقد وراء مصالحه ولا يكون فقيراً فتكون قضيته أنه ثائر لأنه مظلوم يشعر بالحرمان (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67) .
تجربة سلبية
وفيما يتعلق بالتجارب السلبية  ، قال الشيخ سلمان : لقد سمعت شخصًا يقول: "لا ثقة بامرأة" ، فلما جلست معه قلت كيف تقول الكلام هذا ؟ هل تقول هذا الكلام عن أمك ؟ أو عن أمهات المؤمنين ؟ فهذا إطاحة بنصف المجتمع ، فهل تعرف أن امرأة فرعون قاومت أكبر طاغية في العالم وقالت (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(التحريم: من الآية11)، فكيف تقول "لا ثقة بامرأة" ، فمع الجدل تبيّن أنه عنده تجربة سلبية معينة فهذه التجربة السلبية قام بتعميمها .
وضرب فضيلته مثالاً آخر ، قائلاً: لقد سمعت شخصًا يقول : لا تثق برجال الدين وكان يقدم ملاحظات باستمرار  ، ومع الوقت تبيّن أنه هو ذلك المتألم الذي يؤذي الآخرين ، فعندما يكون إنسان عنده جرح معين يتم الضغط على هذا الجرح فيصرخ ، فالإنسان أحياناً الذي عنده جرح عنده معاناة وتجربة سلبية ربما يصبح يصرخ إذا تم الاقتراب من هذه الأشياء وبأمس الحاجة إلى الطبيب .
تغيير سياسي
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يقول : إن التغيير السياسي في الدول العربية ليس مصحوباً بنظرة تخطيطية ، قال الشيخ سلمان: أوافق على ذلك ، فنحن لسنا خبراء ولكن  الذي يظهر في الميدان أنه لا يوجد في عالمنا العربي ما يمكن أن نسميه بنموذج يصلح أن يتبنى ويحتذى .
وأضاف فضيلته : إننا عندنا نماذج مثلاً في ماليزيا كنموذج مهاتير ، ومحمد على ماله وعلى ما عليه ، وعندنا نموذج في تركيا الآن يتكون ، وعندنا نماذج عالمية في كثير من بلاد العالم كسنغافورا وفنلندا والهند وفنزويلا والصين وكوريا  وغيرها تجارب هائلة أظن ذلك سنتحدث عنه يوماً ما .
ضبط الفتوى
وتعقيبًا على مداخلة حول قرار العاهل السعودي قصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء ، أشاد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ بقرار العاهل السعودي بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء ، مشيرًا إلى أن سمعة المجتمع السعودي كانت على محك الخطر بسبب الفتاوى الغريبة.
وأضاف فضيلته أن المفتي كما قال ابن القيم -رحمه الله- موقّع عن رب العالمين ، فهو مترجم عن الشريعة، ولذلك أن يكون هنالك ضبط للفتوى وخاصةً في عصر العولمة والذي لم يعد المفتي يتكلم إلى جماعة مسجده أو إلى أصدقائه وإنما العالم كله يتوفر على الفتاوى الغريبة والفتاوى الشاذة والفتاوى المنكرة ، حيث تجدها في السي إن إن وفي القنوات الفضائية العالمية وتجد التعليق عليها.
وأوضح الدكتور العودة : بل إنني أزعم أن سمعة المجتمع السعودي ليس فقط المجتمع العلمي أصبحت على محك الخطر وعلى محك الاختبار بسبب عدد من الحالات التي هي بحاجة إلى معالجة حكيمة ومنضبطة ، مشيرًا إلى أن هذا القرار سوف يحدّ من هذه الحالات بدون شك .
الشرطة المجتمعية
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يتحدث  عن تفعيل الشرطة المجتمعية تأسيساً لثقافة التوعية بالنظام  ، قال الشيخ سلمان:  هذا اقتراح مهم جداً، مشيرًا إلى أنه يتوقع ويتمنى مثل الجهات الأمنية؛ الشرطة والمرور وغيرها، لو يكون عندها مناشط اجتماعية، مثلما يوجد عند مؤسسات أخرى كثيرة استضافة أئمة المساجد أو تستضيف الخطباء أو الطلبة في مدارس معينة ويتم عرض النشاط الذي يحدث لهم.
وأضاف فضيلته أن  نظام ساهر الذي يتم تطبيقه يمكن أن يتم التعاطي فيه ، فهو  نوع من التغيير لكن كون الناس في تواصل ويتعرفون على هذا النظام ويقدمون مقترحاتهم لا شك أن هذه أعتقد من أهم وسائل التمهيد والتهيئة لتقبل مثل هذه الأشياء .
عقلية متخلفة
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يشكر البرنامج على طرح التغيير ويقول: إن لكل مقاومة عكسًا ، قال الشيخ سلمان: إن المجتمعات دائمًا تتمسك بأشياء حتى لو لم يكن لها أصل ، وعلى سبيل المثال ، فقد قرأت  قبل شهر خبراً أنه في إحدى الدول العربية ضريح يزعمون أنه ضريح لولي من الأولياء تم تأجيره بمليون ريال لشركة ، وأن هذا التأجير يشمل الضريح أي : القبر،  والقبة وصندوق النذور الذي يقدّم ماذا يقدم من الخدمات هذا الضريح ؟ يُقدّم طلب شفاء المرضى النساء العواقر التي لا تحمل أو لم تتزوج ، وحالات من الأمراض المستعصية !
وتساءل فضيلته : هل مثل هذا النمط مقبول في وضع وفي عالم نحن نشعر أننا يجب أن ندخل في ميدان المنافسة والسمو والرقي والنهضة والحضارة وندخل بهذه العقلية الجاهلة المتخلفة التي ترفض كل تغيير إيجابي وتريد فقط أن تكرر الأخطاء التي وقعت فيها ؟!.
السلف.. والرغبة في التغيير
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يقول : ماذا عن  التعامل مع الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح ،  مع الرغبة في التغيير ؟ ، قال الشيخ سلمان: الإمام مالك -رحمه الله- يقول كلمته المشهورة : "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" ، وهذا كلام صحيح لكن ما المقصود ، فليس المعنى أننا نريد أن نعيد إنتاج التاريخ كما هو ، ولكن المقصود المنهج الذي كانوا عليه :
لَسنا وَإِن كَرُمَت أَوائِلُنا       يَوماً عَلى الأَحسابِ نَتَّكِلُ
نَبني كَما كانَت أَوائِلُنا          تَبني وَنَفعَلُ مِثلَ ما فَعَلوا
وأكد فضيلته على أهمية الصفاء والتجرد فيما يتعلق بالتوحيد والعبودية لله -سبحانه وتعالى- ومحاربة  البدعة والخرافة والشرك ، فضلاً عن السببية ، والنواميس، وقضية  الانتماء لمعاني العدل ومعاني الأخلاق ومعاني التعاون على البر والتقوى.
أسس.. وقواعد
وأوضح الدكتور العودة أن المقصود هنا هي الأسس والقواعد والقيم التي كانوا عليها ، أما التفاصيل فلكل مجتمع تفاصيله ، ونحن نعرف أن الصحابة -رضي الله عنهم- والسلف في عهد عمر بن عبد العزيز وهو عهد قريب من عهد النبوة لم يطق الناس الذي كان في عهد أبي بكر وعمر، بل في عهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لم يطق الناس الشيء الذي كان في عهد أبي بكر وعمر .
وتابع فضيلته أن هناك تغييرات زمنية واجتماعية وسياسية توجب علينا أن نكون واعين بها ، مشيرًا إلى أن مجرد الحديث عن التغيير لا يقدم ولا يؤخر ما لم يكن لدينا فهم ووعي .


الكاتب:  أيمن بريك

0 التعليقات:

:: ترتيب المدونة عالميــاً ::

RSSMicro FeedRank Results