- أساس التغيير هو توحيد الله سبحانه وتعالى - بقاء القرآن هو دعوة إلى التغيير أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن الفرد لا يمكنه أن يغير ما لم يكن هناك استجابة جماعية له ، مشيرًا إلى أن التغيير يتم بصفة الجماعة وليس بصفة الفرد ، موضحًا أن التغيير المنشود لابد أن تكون فيه روح الجماعة .
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة الجمعة من برنامج "حجر الزاوية" ، والذي يبث على فضائيةmbc ، والتي جاءت تحت عنوان "القرآن..كتاب التغيير" ـ: إن الكثيرين يقولون دائماً إن التغيير يبدأ من الفرد وينتقل إلى الجماعة ، حيث يرى البعض أن الواحد يصلح اثنين والاثنين يصلحان أربعة والأربعة يصلحون ثمانية ، وهكذا ، وكأن الناس جامدون لا يتغيرون ، وأن واحدًا فقط أو مجموعة من الناس هي التي تتغير وتساهم في تغيير الآخرين ، لافتًا إلى أن هذا التصور يجهل أن هناك طوائف وقوى كثيرة كلها تساهم في التغيير . تغيير جماعي وأضاف الدكتور العودة: إن الأقرب في سياق الآية (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11)، والتغيير إنما يتم بصفة الجماعة وليس بصفة الفرد ، فالفرد قد يكون حاضرًا وموجودًا ، كما قد يكون هو الحادي ، أو الرائد الذي لا يكذب أهله ، أو القائد الذي يوجه الناس نحو التغيير، لكن تغيير الفرد لا يؤثر ما لم يكن هناك استجابة جماعية له . وتابع فضيلته : ولذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر في الأحاديث النبوية أن القوم الذين يكونون على طاعة وفيهم أناس يرتكبون المعاصي ويستطيعون أن يمنعوهم فلم يمنعوهم إلا عمهم الله -تبارك وتعالى- بعقاب ، وقال في حديث آخر : "يبعثون على نياتهم" . ملهم .. وموجه وأوضح الشيخ سلمان أن الفرد قد يحدث تغييرًا ، ولكن التغيير المنشود لابد أن يكون فيه روح الجماعة ، فإذا وجد الحادي أو الداعي أو المرشد ، فإنه لابد أن تكون هناك روح الجماعة ، وعلى سبيل المثال ، فإننا نتحدث عن تجارب الغرب والشرق ، مثل : مهاتير محمد في ماليزيا ، وأردوغان في تركيا ، وفيجي في اليابان وهكذا في كل بلد ربما يكون هناك رمز معين ولكن هذا يجب ألا يفهم بعقلية أن الأمة اختصرت في هذا الفرد ، وأن هذا الفرد هو الكل في الكل. ونبه فضيلته إلى أن هذا الفرد قد يكون مهندساً ، أو ملهماً ، أو موجهاً لكن ما لم يكن هناك استجابة ورغبة وروح جماعية عند الناس فإن هذا الفرد ربما صوته يصبح كما قال الشاعر: لَقَد أَسمَعتَ لَو نادَيتَ حَيّاً وَلَكِن لا حَياةَ لِمَن تُنادي وَلَو نار نفخت بِها أَضاءَت وَلَكن أَنتَ تَنفخ في رَماد تغيير ذاتي وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن الظاهر من قوله تعالى: (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) أن التغيير الجماعي مربوط بالتغيير الذاتي الفردي ، قال الشيخ سلمان: هو تغيير جماعي ، مشيرًا إلى أنه من أعظم الحكم أن الله جعل أن التغيير الذي يحدثه هو نتيجة للتغيير الذي يحدث من الناس (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى) حتى ماذا ؟ (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11)، وهذا يؤكد أن البداية تكون من عندنا نحن بني البشر. وأضاف فضيلته أن الكثير من الناس يتساءلون: لماذا نحن بالذات الذين يقع علينا العبء كأفراد أو كجماعات أو كشعوب ؟ ، لافتًا إلى أن الله -سبحانه وتعالى- يؤكد أن التغيير يبدأ من عند الناس أنفسهم ، أن الله تعالى لا يُغيّر ما بهم إلا إذا هم غيروا ، (مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) . نيات.. وتوقعات وأوضح الدكتور العودة أن قوله تعالى (مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) يشمل تغيير أشياء كثيرة جداً مما في داخل النفس ؛ حي يشمل : 1 ـ النيات والمقاصد: ومن ذلك أن تكون نيات ومقاصد حسنة ، فكثير من الناس ربما يسهل عليهم أن يتهموا نيات الآخرين أو يرموهم بسوء النية أو بسوء القصد لكن لا يقومون بعمل حفريات في داخل نفوسهم للتعرف على مقاصدهم ونياتهم ، فنية المؤمن الصادق ربما يجعل الله تعالى فيها خيراً كثيراً ، فصدق النية وصفاء القلب هذا مما يدخل في النفس (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) . 2 ـ الانفعالات والتوقعات : فتوقعات الناس حول الأفضل ، والتفاؤل بأن يكونوا قادرين وأن تكون لديهم إمكانية التغيير ، يدعو إلى أن يتغير ما بهم بخلاف أولئك الناس المحبطين الذين يظنون أنه لا أمل ولا سبيل إلى التغيير . أفكار.. وصفاء 3 ـ تغيير الأفكار والعقول : فإن الأفكار المنحرفة سواء كانت أفكاراً استسلامية أو تشاؤمية أو جبرية قدرية أو ما أشبه ذلك ، فإن الإنسان لا يمكن أن يتغير وهو يحمل هذه الأفكار ؛ ولذلك فإن التغيير يبدأ من عالم الأفكار ، فحتى الواقع الذي يعيشه الناس سواء هو واقع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي يأتي التغيير فيه بعدما تتغير الأشياء التي في داخل النفوس سواء كانت أفكاراً أو نيات ومقاصد أو حتى كانت المشاعر والأحاسيس . وذكر فضيلته أنه من صفاء القلوب أن تحمل القلوب الود وحسن الظن للآخرين والطيبة والصفاء وحمل الناس على أطيب المحامل بخلاف تلك القلوب التي تكون مكتظة بالحقد أو البغضاء أو الكراهية . قاسم مشترك ولفت الشيخ سلمان إلى أن قوله تعالى (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) يوحي بأن هناك قدراً من المشاعر والأحاسيس والأفكار المشتركة بين هؤلاء القوم والتي بموجبها يكون التغيير ، لكن إذا كان هؤلاء القوم كل واحد منهم كما يقال "يغني على ليلاه" ، ولا يوجد قاسم مشترك بينهم ، ولا توجد معانٍ أو أفكار مشتركة أو عواطف أو حب أو ود بينهم ، فإن هذا مدعاة إلى ألا يكون ثمة تغيير . وتابع فضيلته : إنني أقول لبعض الشباب أن الإنسان عندما يأتي إلى بعض المدن العربية والإسلامية فإنه يجد أن هذه المدينة كل بيت فيها أو دار مختلف عن الآخر في شكله ولونه وصبغته وتصميمه ومعماره ، كما أن الناس أنفسهم يكادون أن يكونوا كذلك ، فتنظر إلى كل شخص فتجده عالماً مستقلاً عن الآخر بعيداً عنه أشد البعد ، مشيرًا إلى أن هذا التنافر في الفكر واللغة والأسلوب والمشاعر والأحاسيس مدعاة إلى ألا يكون هناك حتى كلمة "قوم" تستطيع أن تصفهم. شرط.. ونتيجة وردًّا على سؤال ، يقول : إن أي تغيير حضاري مربوط بشرط معين ، وهو أن يكون تغييراً في نفوس الناس ، فهل المسألة عبارة عن شرط ونتيجة ؟ ، قال الشيخ سلمان: نعم أكيد ، فالآية الكريمة صريحة في هذا المعنى ، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ، فالله عز وجل ربط التغيير الواقعي المأمول من عنده والذي هو بيده سبحانه بأن يحدث من الناس هذا التغيير ، وجعل الأمر بمثابة القانون الواضح الذي ليس فيه لبس ، وذلك بخلاف ما يوجد عند كثير من الناس اليوم وحتى العرب والمسلمين . وأضاف فضيلته : أذكر أن مشهدًا كثيراً ما يردد في بعض وسائل الإعلام الغربية في أمريكا وغيرها ، وهو أن أمريكيًا وعربيًا يلعبان لعبة مثل الكرة الأمريكية "البيسبول" فذاك يضرب الكرة بشكل جيد ومتدرب ، ثم يأتي دور هذا العربي فيضرب بطريقة عشوائية وتذهب الكرة بعيداً وتقع خارج الملعب، ويأتي مرة أخرى ويضربها ومعها التراب ثم يأخذ كومة من التراب ويرميها في وجه هذا الرجل ، والرجل يقول له أنت بعيد عن الإصابة ، فهذا العربي يقول بلغة عربية "إن شاء الله" ، ومع كثرة الضرب ينفجر الموقف بشكل مفاجئ . صورة سلبية وأشار الدكتور العودة إلى أنهم بهذا التعبير يحاولون أن يقدموا صورة العربي بأنه قدري استسلامي غير مخطط ، وأنه ينتظر دائماً المفاجآت ، بل يحاولون أن يختصروا صورة العربي بهذا النفط الذي يربطونه كثيراً بالغباء أو عدم الذكاء في استثمار هذه الفرص وهذه الخيرات . وتابع فضيلته أنه بالتأكيد هناك قوى ربما تكون مغرضة تسعى وراء هذه الصورة السلبية لكن هذا لا يمنع أبداً أن ندرك مصدر الإساءة التي توجه إلينا من أفكارنا ذاتها . كتاب التغيير وكان الشيخ سلمان قد أكد في بداية حديثه على أن القرآن الكريم هو كتاب التغيير ، وذلك لأن القرآن الكريم هو كلمة الله -سبحانه وتعالى- إلى عباده ، فهو مصدر الإلهام ، والدعوة ، والبيان ، مشيرًا إلى أن أساس التغيير هو توحيد الله -سبحانه وتعالى- الذي جاء به الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، لافتًا إلى أن القرآن الكريم ، وهو الكتاب الوحيد الخالد الباقي ، جاء ليعزز هذا المعنى ويؤكد على التغيير والدعوة الدائمة إليه . وأضاف فضيلته أن بقاء القرآن هو دعوة إلى التغيير ، فالكتب السابقة جرى عليها التغيير ، بينما هذا الكتاب نفسه ضمن الله تعالى له الخلود ، ولذلك كان هو كتاب التغيير ، مطالبًا بضرورة قراءة القرآن في شهر رمضان بهذه النية ولو لمرة واحدة ، بحيث يبدأ الإنسان في قراءة القرآن من أوله إلى آخره ، من سورة الفاتحة إلى سورة الناس ، وهو يتلمس فيه الدعوة إلى التغيير سواء كان ذلك التغيير هو تغيير الذات أو تغيير المجتمع من حوله . طريقة مفيدة وأوضح الدكتور العودة أن الإنسان إذا قام بذلك فإنه سوف يكتشف معاني جليلة وعظيمة ، مشيرًا إلى أن هذه الطريقة في قراءة القرآن مفيدة ليس فقط فيما يتعلق بالتغيير ، ولكن قد يقوم الإنسان بقراءة القرآن وهو يبحث فيه عما يتعلق بقضية الحقوق ؛ أو حق الله وحق العبد وحق الوالدين وحق البيئة ، وثانية يقرأ القرآن الكريم وهو يتذكر قضية من القضايا المختلفة ، لافتًا إلى أنه بذلك يستطيع الإنسان أن يستلهم من هذا القرآن الكثير من المعاني . وذكر فضيلته أنه من خلال البحث ، فإنه يمكن القول بأن هناك الكثير من المواضع بل السور التي تستطيع أن نقول إنها من أولها إلى آخرها مخصصة في التغيير ، وعلى سبيل المثال ، فنحن في يوم الجمعة عادة ما نقرأ سورة الكهف فتجد هذه السورة محتشدة بالكثير من المعاني المتعلقة بالتغيير ، وقبلها سورة الفاتحة ، وهي سورة مليئة بالحديث عن التغيير بدءًا بقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة:6) ، والتي تشير إلى أن هناك تغييرًا وحتى حينما يكون الإنسان يعتقد أنه على خير ، فهناك ما هو خير وأفضل مما هو فيه فهو يدعو الله -سبحانه وتعالى- ويحفز قدراته الذاتية للرقي إلى ما هو خير وأفضل مما هو فيه . القراءات السبع وتعقيبًا على مداخلة ، تتحدث عن أن التغيير في القراءات السبع في القرآن الكريم يعد نموذجًا للتغير ، قال الشيخ سلمان: إن القرآن الكريم أُنزل على سبعة أحرف كما في الحديث المتواتر ، وهذا يمكن أن يصلح لما نعتبره التنوع ، حيث إن نزول القرآن على سبعة أحرف إنما روعي فيه اختلاف الناس في القراءة واختلاف ألسنتهم وقدراتهم وإمكانياتهم وهذا في واقع الحال جزء من التغيير . وأضاف فضيلته أن هذه القراءات تؤكد أن الإسلام لم ينزل لبيئة خاصة أو لشعب معين أو لقوم أو لمجتمع بعينة ، وإنما نزل للبشرية كلها جميعاً ؛ ولذلك فإن الناس الذين يحملون ثقافات مختلفة كلهم يستطيعون أن يلتزموا بهذا القرآن دون أن يشعروا بأن التزامهم يدفعهم إلى أن يتخلوا عن كل تفاصيل حياتهم وموروثهم . الرعد.. سورة التغيير وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن أشهر الآيات التي تُستحضر عندما نتحدث عن التغيير هي قول الله -عز وجل- في سورة الرعد (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) ، قال الشيخ سلمان: إن سورة الرعد نفسها يمكن أن تسمى سورة التغيير ، مشيرًا إلى أن هذا ليس اسماً منقولاً لها لكن موضوع السورة يجتمع على التغيير ، حيث إنك حينما تقرأ السورة وأنت تبحث عن معالم التغيير ستجد الحديث عن السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم واضحًا في هذه السورة . وأضاف فضيلته : كما ستجد الحديث عن النبات والثمرات والنخيل ، يقول تعالى: (صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ)(الرعد: من الآية4) ، كذلك ستجد الحديث عن الإنسان نفسه ، يقول تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد:8) ، فتغيير الإنسان من الجنين إلى الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة والذي هو بسبب الخلايا التي تتغير باستمرار كما هو معروف وتسلم كل مرحلة إلى المرحلة التي بعدها بما هو نظام إلهي صارم ينطبق حتى على الرسل وعلى الأنبياء وعلى جميع البشر ، يعد نمطًا من التغيير . تاريخ.. وأخلاق وأردف الدكتور العودة أنه يوجد في هذه السورة أيضًا الحديث عن التاريخ والأمم السابقة وما خلا من قبلها ، فضلاً عن الحديث عن ما يسمى بالأخلاق الحضارية ، والتي عليها مدار التغيير ، يقول تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:22،21،20) . وتابع فضيلته : حيث تجد أن هذه السورة تشير إلى الأخلاق حضارية لأولئك المؤمنين ، وعلى النقيض الأخلاق الفاسدة التي هي سبب للزوال والاندثار الحضاري مثل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25) ، فهذا إشارة إلى فساد أحوالهم وأن هناك تغييراً نحو الأفضل يحدث لقوم وتغييراً نحو الأسوأ يحدث لآخرين . آية عجيبة ولفت الشيخ سلمان إلى أنه يوجد في هذه السورة آية عجيبة ، وهي تلك التي فيها قول الله -سبحانه وتعالى- (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً)(الرعد: من الآية31) ، مشيرًا إلى أن هذا مدعاة للإنسان إلى أن يقف عند هذه الآية الكريمة: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) أي: لكان هو هذا القرآن ولكن هذا لم يحدث ، وفي ذلك إشارة إلى أن القرآن وهو كلمة الله -سبحانه وتعالى- القرآن هداية ، وتعليم ، وتحريك للعقل (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(الرعد: من الآية4) ، و(لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الرعد: من الآية3) ، والإيمان (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(البقرة: من الآية118) . واستطرد فضيلته : ولكن القرآن ذاته وهو كلمات حسنة صحيحة لا يحدث أثره إلا من خلال فعل الناس وامتثالهم وتطبيقهم ، فالقرآن لا يحدث به ما تمناه المشركون الذين يريدون أن تقطع بهم الأرض أو تسير بهم الجبال أو يكلم به الموتى ، وبعض المؤمنين الذين استجابوا لهذا الطلب من المشركين أو تمنى أن يستجاب لهم ، فالله -سبحانه وتعالى- كأنه يعزي رسله وأنبياءه والصالحين بأنه لو كان كتاباً يحدث به هذا الأمر من تسيير الجبال وغير ذلك لكان هذا هو القرآن ولكن الأمر لله جميعاً ولله سنن ، ولذلك هذه السورة مكتظة بالسنن الحضارية ، والتغييرية التي لا تخطئها العين ما بين الآية والأخرى ، وعلى ذلك فإن هذه السورة تصلح أن تعتبر إحدى السور الأساسية في تحديد التغيير وسننه . عملية مدروسة وردًّا على سؤال ، يقول : ماذا عن قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) ، قال الشيخ سلمان: إن هذه الآية استشهد بها كل من كتب في التغيير من الإسلاميين المحدثين أو القدامى وربما يقتصر عليها ، مشيرًا إلى أن المقصود بالمعقبات هم الملائكة ، ومن بين يدي الإنسان ومن خلفه ، أي من ورائه (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) أي : أنهم يحفظون هذا الإنسان ، وكل إنسان ، وأن ذلك يكون بأمر الله -عز وجل- فهم يحفظونه بأمر الله وإرادته . وأضاف فضيلته أن هذا المعنى فيه إشارة واضحة جداً إلى أن عملية التغيير ليست عملية عشوائية أو اعتباطية أو مفاجأة ، وإنما هي عملية مدروسة لا مجال فيها للصدفة ، فهي عملية قدرية (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) ولذلك قال بعض السلف : إذا جاء القدر أسلموه إلى قدره . سنة إلهية وأردف الدكتور العودة أنه وللأسف ، فإن كثيراً من المسلمين يفهمون أن القدر معناه القعود والاستسلام ، بينما من الواضح جداً أن الأمر على نقيض ذلك ، فالإشارة إلى أن التغيير قدر معناه أنها سنة إلهية ، وأننا علينا أن نسعى في تحصيل هذه السنن ، مشيرًا إلى أنه لو كان الأمر قدرياً أو اعتباطياً أو مفاجأة أو صدفة فيما يتعلق بالتغيير ، فإننا يمكن أن نقول إننا لا نستطيع البحث عنه لأن هذه صدفة ، فمن يستطيع أن يعرفها ، لكن كون التغيير أمر قدري يشير إلى أنه أمر مربوط بالسنن والنواميس والمحاولات ، والتغيير الذي يبدأ من عند الإنسان . وتابع فضيلته أن في ذلك تحفيزًا للإنسان إلى أن يسعى ، كما أن فيه إشارة دقيقة إلى أن عصر المعجزات والمفاجآت قد انتهى ، كما أننا لا نقول إن عصر الكرامات انتهى ، فهناك كرامات يجريها الله تعالى لمن شاء من عباده لكن نحن غير متعبدين بها ، وإنما نحن متعبدون بفعل الأسباب ، موضحًا أن قوله -سبحانه وتعالى- : (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) هو دعوة للناس إلى أن يدركوا أن أي تغيير يحدث إنما ذلك بفعلهم وإرادتهم . اتجاه التغيير وردًّا على سؤال ، يقول : هل يشترط أن يبدأ التغيير في النفس أولاً ثم ينتقل إلى الجماعة ، قال الشيخ سلمان: لقد كان هناك خلاف حول معنى التغيير في قوله -سبحانه وتعالى- : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) ، وهل هو تغيير من الأسوأ إلى الأفضل أم من الأفضل للأسوأ ، مشيرًا إلى أن أكثر المفسرين على أن قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ)(الرعد: من الآية11) أي : من النِعَم والخير والفضل (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) ، فيزيل الله تعالى عنهم ما هم فيه . وأضاف فضيلته : يقول الله -سبحانه وتعالى- في الآية الأخرى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الأنفال: من الآية53) ، لكن الآية في سورة الرعد مطلقة ، فلم يقل (مُغَيِّراً نِعْمَةً) ، ولكن قال : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ)(الرعد: من الآية11) ، وهذا يصدق على تغيير ما بالقوم إذا كان عندهم خير يغيره إلى ضده ويصدق أيضاً على تغيير ما بالقوم إذا كانوا يعيشون حالة من التخلف أو الضعف أو الفقر أو الجهل أو الضياع ، أن هذا التغيير يتم من خلال أن يغيروا هم ما بأنفسهم . تغيير حتمي وردًّا على سؤال ، يقول : هل في قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) إشارة إلى أن التغيير حتمي ؟ ، قال الشيخ سلمان: هذا واحد من القوانين ، مشيرًا إلى أن قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) ، فيه إشارة إلى النظام والقانون الإلهي وما يسمى بالحتمية التاريخية أو الصيرورة. وضرب فضيلته مثالاً لذلك ، قائلاً: إنه عندما يصل الناس إلى درجة من التخلف ويتواطئون على مثل هذا المعنى ، فإنه ربما يوجد من بين الناس من يريد أن يُغير ومن يحاول ويسعى إلى ردم الهوة والفجوة أو الحفاظ على هذه السفينة ، ولكن يجد أن الفرص أشد وأصعب منه ، فالفتق في السفينة أشد وأصعب ، ولذلك فإن قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) فيه إشارة إلى أنه قد يقع الناس تحت طائلة الصيرورة ويصبح التغيير بالنسبة لهم صعباً لأنهم تجاوزوا مرحلة السنن والمحاولة . الحسنة.. والسيئة وفيما يتعلق بالاستعجال وعلاقته بالتغيير في قوله تعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) ، قال الشيخ سلمان: إن السيئة والحسنة هي نوع من التغيير ، وذلك لأن التغيير نحو الأحسن هو الحسنة ، والتغيير نحو الأسوأ هو السيئة ، وعلى ذلك فإن الحسنة قد تكون الثراء والرفاه الاقتصادي ، والسيئة قد تكون هي الفقر ، كما أن الحسنة قد تكون هي الصحة والعافية ، في حين أن السيئة هي المرض ، وقد تكون الحسنة هي الطاعة والتقوى والإيمان ، والسيئة هي المعصية والمخالفة والانحراف الأخلاقي . وأضاف فضيلته أن هذا كله داخل في مفهوم السيئة والحسنة ، لكنْ هؤلاء الضالون المنحرفون يستعجلون الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسيئة قبل الحسنة ، فالله -سبحانه وتعالى- يعيبهم بذلك ، وهذا فيه دعوة للمؤمن إلى أن يكون عنده قدر من الطمع في الحسنة وليس في السيئة ، وهذا يشير إلى أن هذه الآية هي دعوة إلى الأمل ، والتفاؤل ، وانتظار الأفضل عند الله -سبحانه وتعالى- لأن الله ساق هذا مساق الذم للمشركين . قراءة إيجابية وأكد الدكتور العودة أن المؤمن عليه أن يتوقع الأفضل وأن يقرأ الأشياء قراءة إيجابية سواء كانت هذه تغييرات قدرية بغير اختيارنا ، حيث على الإنسان أن يؤمن فيها بحكمة الباري -عز وجل- وأن فيها خيرًا وفضلاً ولو لم يكن فيها إلا جريان السنة الإلهية وأن يأتي جيل جديد يلتزم الطريق ، وإن كانت التغييرات بفعل الناس فإن الإنسان مع المجاهدة والمحاولة يكون عنده أيضاً قدر من الرضا والتسليم والقبول لها ، معربًا عن عدم اعتقاده بأن قراءة التغييرات تحدث حالة من الكآبة أو من التعاسة عندنا وإنما ينبغي أن يكون عند الإنسان إيمان حتى في أحلك الظروف . وتابع فضيلته : لقد رأينا في واقعنا المشهود حالات عديدة ربما تبدأ والناس في حالة من الخوف والذعر الشديد ، لكن ما تمضي سنوات قليلة إلا يبدأ الناس يلمحون بوادر أمل وفرج فيها ، لافتًا إلى أن ما نشاهده الآن في وضع العراق أو في وضع عدد من البلاد الإسلامية هو مؤشر على ذلك الأمر وأن الناس قد يبالغون أحياناً في تصور الأسوأ ، في حين أنهم لو آمنوا بالله وحكمته ورحمته -سبحانه وتعالى- ربما كان ذلك خيراً وأفضل وأدعى إلى عدم استعجال السيئة قبل الحسنة . رحمة إلهية وأردف الشيخ سلمان أنه جاء في إكمال الآية: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) ، مما يشير إلى أن الله تعالى ليس فقط يمضي السنن على عباده ، وإنما الله تعالى يعفو عن كثير من أخطاء العباد ويمهلهم حتى لو أن السنة حقت عليهم ؛ وعلى سبيل المثال ، فإن فرعون وهو من الناس الذين حق عليهم الأثر وحق عليهم سنة الاندثار الحضاري ، حيث يقال في الأثر : إن الله تعالى أمهل فرعون بعدما دعا عليه موسى -عليه الصلاة والسلام- (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)(يونس: من الآية88) . وأضاف فضيلته أنه ورد في الأثر أن الله تعالى أمهل فرعون بعد هذه الدعوة أكثر من ثمانين سنة ، وذلك بسبب أنه ، كما قيل ، كان باراً بأمه ، ومحسناً إلى بعض الفقراء والمساكين ، وهذه هي الرحمة الإلهية بالعباد . حقيقة مطلقة وردًّا على سؤال ، يقول : كيف نفهم الحقيقة المطلقة في قوله تعالى : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ) ، قال الشيخ سلمان: إن المقصود بقوله -سبحانه وتعالى- : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ) ، أن هذه الدعوة لله -سبحانه وتعالى- ، فالله تعالى هو الذي يعلم كل شيء ولا يخفى عليه شيء ، ودعوته هي دعوة الحق ، فهذا القرآن الكريم هو دعوة الحق ، كما أنه دعوة الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، لكن الذين يستجيبون لهذه الدعوة لا يلزم أن يكونوا يمثلونها تماماً . وأضاف فضيلته : ولذلك يقول الله تعالى في سياق السورة نفسها : (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً)(الرعد: من الآية17) ، قوله : (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) أي : وادٍ كبير احتمل سيلاً كبيراً ووادٍ صغير احتمل سيلاً صغيراً ، وعلى ذلك فإن هذا الحق الذي هو العلم أو المعرفة أو القرآن أو السنة أو الحكمة قد يحصل الإنسان منها على قدر كبير ، وقد يحصل منها على قدر أقل بحسب الوعاء ، فالإنسان قد تكون عنده قوة ذهنية وعقلية وقد يكون أقل من ذلك . احتكار.. وكمال مفقود وذكر الدكتور العودة أن في هذا إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي أن يكون دائماً عنده احتكار للحقيقة ، فقد يوجد قدر من الحقيقة عند خصومك أو عند أعدائك أو معارضيك ، مشيرًا إلى أن كون الإنسان يبحث عن الحقيقة فإنه يجب عليه أن يدرك أن الحقيقة ليست كلها عنده ، فالله -سبحانه وتعالى- يقول في محكم تنزيله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3) ، فالدين كمل ، لكن هل الإنسان المتدين أو المسلم يعتبر ذلك أنه وصف أو تزكية له بالكمال . ولفت فضيلته إلى أن هذا خطأ كبير ، موضحًا أن الفقهاء يختلفون في أمور كثيرة حتى في فهم التنزيل والجمع بين النصوص وفي العديد من المعاني مما يدل على أن الكمال للدين ولكن الفرد المؤمن أو المؤمنين كأمة وجماعة ليس لهم الكمال وإنما تجري عليهم السنة البشرية . حق.. وباطل وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن قوله تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاء)(الرعد: من الآية17) يحتوي أشهر الأمثال التي يستقيها الناس عندما يحالون أن يثبتوا أن هنالك كفتين إحداهما مليئة بالقيمة ، والأخرى فارغة ، قال الشيخ سلمان: إن قوله تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاء)(الرعد: من الآية17) ، يتحدث عن المطر والأرض وهذا تغيير ، حيث إن المطر ينزل والأرض تنبت ، يقول تعالى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)(الحج: من الآية5). وأضاف فضيلته : أما قوله تعالى (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)(الرعد: من الآية17)، فإنه من المعروف أن الذهب الخالص وهو من أفضل المعادن يوجد فيه أحياناً قدر من الزبد أو الغش الذي يداخله ، فيقول الله -سبحانه وتعالى- في آخر الآية : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)(الرعد: من الآية17) ، حيث كثيراً ما يشار بهذه الآية إلى قضية الحق والباطل ، ما قال -سبحانه وتعالى-: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ)(الرعد: من الآية17) . مدعاة للزوال واستطرد الدكتور العودة أنه يُقصد به أحياناً انتصار الحق في نهاية المطاف أو انتصار الإسلام ، ولكنني أفهم من الآية ما هو أشمل من ذلك لأنه عندما ذكر المطر والأرض وذكر الزبد وعبّر بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)(الرعد: من الآية17) فإن ذلك فيه إشارة إلى الأشياء التي يحتاجها الناس ؛ من مصالح الحياة الدنيا . وأردف فضيلته أن كل وضع أو دولة أو نظام أو تكوين يقوم على أساس احترام الإنسان ، والحفاظ على حقوق البشر ، والشراكة الإنسانية ، والحرص على إيصال المصالح للناس ، والاقتصاد ، والعلاج ، والدواء ، والتعليم ، فإنه مدعاة إلى أن يبقى ويطول ويعمر لأنه ينسجم مع الفطرة ، وكل وضع من شأنه أن يستبد أو يظلم أو يطغى أو يصادر حقوق الناس فهو مدعاة للزوال . مشترك إنساني وردًّا على سؤال ، يقول : ماذا عن القيمة بوصفها مشتركًا إنسانيًا وليس بالضرورة دينية ، قال الشيخ سلمان: نعم كمشترك إنساني ، وعلى سبيل المثال ، فإنه يوجد نظام شيوعي اشتراكي ، ونظام غربي ديمقراطي ، وعالم ثالث ، فإذا نظرنا إلى الشيوعية وكيف أنها خلال فترة وجيزة جداً قامت وهي ثورة وكانت تملك من القوة والتسليح شيئًا ضخمًا جداً ، حيث كانت ثاني قوة أو منافسة للقوة الأولى ، ولكنها أيضًا تفككت خلال فترة وجيزة ، وليس من خلال حرب من الخصوم أو هجوم نووي كما حصل لليابان وإنما تفككت داخلياً وذاتياً . وأضاف فضيلته أنه عندما تنظر إلى العالم الغربي بأنظمته الديمقراطية ، تجد أن هذا العالم بقي ، فعندما تنظر إلى بريطانيا ، والتي كانت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، فهي الآن ليست كذلك ولكنها دولة من الدول العظمى ، كذلك فإن لولايات المتحدة الأمريكية اليوم هي دولة قوية. سقوط أمريكا وأردف الدكتور العودة: إننا حينما نتحدث عن ضعف في الجانب الاقتصادي أو في الأداء السياسي ، فإننا يجب علينا ألا نبالغ في هذا الأمر ونتوقع أننا سنسمع قريباً غداً أو بعد غد أخبارَ ما نسميه بـ"سقوط أمريكا" ، مشيرًا إلى أن هذا أمر مستبعد ، فإنه حتى الذين يتكلمون ويبحثون ربما يقولون لك إنه بعد أربعين أو ثلاثين أو خمسين سنة ربما تصبح أمريكا دولة رقم اثنين في القوة ربما تنافسها الصين -مثلاً- أو تنافسها اليابان أو تنافسها أوربا الموحدة ، فهذا احتمال وهو جارٍ مع السنن الإلهية في التنافس. وتابع فضيلته: لكن عندما تنظر بشكل عام إلى الأنظمة المؤسسية القائمة على شيء مؤسسي كما في الغرب ، فإن هذه الأنظمة هي التي تحفظ حقوق المواطنين ، وتعطيهم حق المشاركة ، فالأنظمة التي فيها جانب اهتمام شديد فيما يتعلق بالصحة ، والتي تتمتع بمؤسسية تسمح بتصحيح الأخطاء ، ومعالجتها ، ونقدها علانية ، يسمح بمحاكمة أولئك الذين هم مسؤولون عن الأخطاء ؛ ولذلك فإن الناس لأنهم مستفيدون فإنهم يريدون أن تبقى هذه الأنظمة وليسوا ضدها . آيل للسقوط ولفت الشيخ سلمان إلى أن هذا المثال يمكن تطبيقه على كثير من دول العالم فتقول: إن كثيراً من البقاء هو مرهون بتلك الأوضاع التي فيها إيصال الخير للناس ، والله تعالى يعلم وأنتم لا تعلمون ، فهناك أوضاع ربما لو زالت لوجد ما هو شر منها وأسوأ ، وعلى سبيل المثال ، فإننا كثيراً ما نتحدث عن الفتوح الإسلامية في الماضي ، حيث نتحدث عن قوة المسلمين وانتصاراتهم على فارس والروم التاريخية الهائلة ، والتي هي بسبب قوة المسلمين ، وهذا لا شك أنه هو السبب الأول حيث كان هناك دفع قوي جداً عند المسلمين وقوة روحانية وإيمانية ، وشجاعة ، ووحدة ، وصدق مع الله -سبحانه وتعالى- . واستطرد فضيلته : لكن في المقابل قلما ننتبه إلى أن من أهم أسباب الفشل والزوال لتلك الدول أنها كانت هشة من الداخل ، وكانت العوامل تنخر فيها من الداخل، ففارس أو الروم كان فيها الترف المفرط ، والطبقية ، والإسراف في المآكل والمشارب والمطاعم والملذات والروح الاستهلاكية ، فضعفت قوتها، ولذلك كانت جاهزة للسقوط عند أول ضربة فكيف إذا كانت ضربة قوية وصادقة ومن أناس (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(الأحزاب: من الآية23). فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأشار الدكتور العودة إلى أنه توجد أمثلة كبيرة على ذلك ، منها روسيا والصين والغزو السوفيتي لأفغانستان ، فالمقصود أن قول الله -سبحانه وتعالى- (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)(الرعد: من الآية17) ، موضحًا أن في ذلك إشارة إلى أن كل ما يستفيد منه الناس ينفعهم من الدين الصادق ، وينفع الناس من الأخلاق الفاضلة ، ومصالح الحياة الدنيا في حفظ أقواتهم وأرزاقهم وحياتهم وعيشهم . وتابع : لأن الله -سبحانه وتعالى- خلق الناس وأراد أن يستمتعوا بهذه الحياة الدنيا ؛ ولذلك كان من حكمته -سبحانه وتعالى- أن ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت دولة مسلمة ، كما ذكر هذا الإمام ابن تيمية في كتاب "السياسة الشرعية" فأقول : إن هذا من المعاني المهمة والسنن الإلهية الواضحة في هذه السورة وفي هذا السياق . ظلم.. واستبداد وأكد الشيخ سلمان أنه حيث وجد العدل والمصلحة ومصالح الناس وحيث وجد (مَا يَنْفَعُ النَّاسَ) كما في التعبير القرآني فإن هذا مدعاة للاستقرار والانضباط ، في حين أنه حيث وجد الظلم والاستبداد والبغي والطبقية والتفاوت غير المنضبط فإن هذا مدعاة للضعف والتراخي وعدم القدرة على مقاومة التحديات الداخلية أو الخارجية . تحولات.. وتداول وتعقيبًا على مداخلة ، بقوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) وأن في هذا إشارة إلى أن التغيير على مستوى الأمم والحضارات ، قال الشيخ سلمان: هناك اختلاف حول تفسير هذه الآية ، فبعضهم يقول نقص الأرض من أطرافها أي نقص الأرض نفسها النقص الحسي ، وبعضهم يتكلم عن ما يسمى بتقلص الكون . وأضاف فضيلته : إن هذه القضية يمكن أن نعزلها لكن المعنى الواضح من السياق أن نقص الأرض من أطرافها هو مرتبط بمسألة تحولات الأمم وأن التاريخ ليس لأمة معينة ، ولذلك : ملَكْنا أقاليمَ البِلادِ فأذْعَنَتْ لَنا رَغْبَةً أو رَهْبَةً عُظَماؤها فلما انْتَهَتْ أيّامُنا عَلِقَتْ بِها شَدائِدُ أيامٍ قَليلٍ رَخاؤُها هكذا (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً) هذا معناه فلما انْتَهَتْ أيّامُنا عَلِقَتْ بِها شَدائِدُ أيامٍ قَليلٍ رَخاؤُها فصِرْنا نُلاقي النّائِباتِ بأوْجُهٍ رِقاقِ الحَواشي كادَ يَقْطُرُ ماؤُها إذا ما أرَدْنا أن نَبوحَ بما جَنَتْ عَلينا اللّيالي لمْ يَدَعْنا حَياؤُها فالآية تشير إلى عملية التداول (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)(آل عمران: من الآية140) ، والآية فيها معنى مهم جداً وهو الإشارة إلى أن هذه السنن لا تحابي أحداً، يعني ليس هناك استثناء ولا يوجد شعب مختار من الشعوب، فنقول والله هذا الشعب لا تنطبق عليه السنن وإنما الشعوب الإسلامية والشعوب غير الإسلامية كلها إذا التزمت بهذه السنن فازت ، وإذا لم تلتزم فإن سنة الله تعالى تنطبق عليها . ظاهرة إيجابية وتعقيبًا على مداخلة تتحدث عن العمل التطوعي ، قال الشيخ سلمان : إن العمل التطوعي الآن في المنطقة الشرقية وجدة والرياض وعدد من المناطق هي ظاهرة إيجابية ، مشيرًا إلى أن هناك تحفيزًا سواء من وزارة العمل أو عند كثير من الشباب ، حيث توجد لديهم رغبة جيدة في ممارسة العمل التطوعي بل هناك الآن مؤسسات لتنظيم العمل التطوعي أو لمحاولة جمع عدد من الجهات واللجان العاملة في هذا المجال . الحكمة ضالة المؤمن وتعقيبًا على مداخلة من الأستاذ أحمد الفهيد ، والذي يمثل "صدى الجمهور" هذ العام ، والتي أوضح فيها أن البعض يرون أن الدكتور العودة كثيرًا ما يستشهد بالغرب وكأن عالمنا العربي والإسلامي ليس فيه مقومات للتغيير ، قال الشيخ سلمان: إن بعض الإخوة عندهم توجس فكري وذوقي في أي شيء ينتسب إلى أمم أخرى ، مشيرًا إلى أن مثل هذا الأمر ينبغي أن يعالج ، فنحن حينما نتحدث عن الولايات المتحدة أو أوروبا أو اليابان أو الصين أو غيرها ، فإننا نتحدث عن جزء من هذا العالم وهي الغنيمة التي لنا فيها سهم و«الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» . وأضاف فضيلته أن البعض ليس لديه قدرة على التمييز ما بين الهوس والإعجاب الأعمى وما بين الرؤية البصيرة ، متسائلاً: هل يمكن أن يتردد أحد في أن هناك فجوة هائلة ومعرفية وحضارية بيننا وبين أمم الأرض الأخرى ، مشيرًا إلى أن الذي يجادل في هذا يحتاج إلى أن يراجع نفسه بشكل جيد وواضح. نماذج إيجابية وأردف الدكتور العودة: إنني لا أميل إلى تحسين الأشياء أو المبالغة أو التكلف ، فإن هذه التقارير التي نقدمها كل يوم ونعلق عليها هي من صميم مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، وهي في الغالب صور ونماذج إيجابية نحن نشدد عليها ونؤكد دائماً أننا لا ندعو إلى تغيير مفاجئ أو تغيير كلي ولا نتوقع أن هناك تغييرًا سينزل علينا من السماء دون أن نفعل أسبابه . وتابع فضيلته : يقول ربنا سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )(الرعد: من الآية11) ، ومع ذلك فإنني أحترم وجهات نظر هؤلاء الإخوة الذين يذهبون إلى هذا المذهب ، فربما يكون عندهم بدائل أو إضافات لو اطلعت عليها قد أضيفها . لغة فلسفية وتعقيبًا على أن البعض يرى أن الشيخ سلمان يستخدم لغة فلسفية ربما لا يفهمها عامة الناس الذين هم أساس في عملية التغيير ، قال الدكتور العودة: إنني أشعر هذا العام على وجه الخصوص بحكم كونه موضوعًا يتعلق بالتغيير وهو موضوع مترابط ، فإنه من الأشياء التي أظن أنني حاولت النجاح فيها تبسيط القضايا التي فيها تعقيد لكن تظل القضية لا تخلو من بعض الإشكال . وأضاف فضيلته أنه قد يكون الفتى عمره خمس عشرة سنة أو الفتاة أو مثلاً أو يكون عجوزًا مسنة أو إنسانًا غير متعلم ربما تصعب عليه بعض الأشياء ، ومع ذلك فنحن دائماً نحاول أن نبسط ونبسط أكثر بقدر المستطاع . الأمل مطلوب وفيما يتعلق بأن البعض عندهم قناعة بأن التغيير لن يحدث ، قال الشيخ سلمان : إننا يجب علينا أن لا نيأس ، فإنني لي أصدقاء كلما شعرت بعاصفة من اليأس تجتاح قلبي أو بموقف محبط أرسلت لهم رسالة فجاءني منهم أو من الله -سبحانه وتعالى- المدد والفيض عن طريقهم بكلمات محفزة أو كلمات مشجعة ، مشيرًا إلى أن جمهورًا من الناس عريضًا لا يريدون أبداً أن يسمعوا أنه لا فائدة أو لا أمل ، فهم يحبون أن نغرس الأمل في قلوبهم ، مؤكدًا أن هذا الأمل ليس بيعاً للوهم إطلاقاً ، وإنما هو تحفيز. وأضاف فضيلته أن المثل يقول : "إذا قلت أنك تستطيع فأنت تستطيع وإن قلت لا تستطيع فأنت لا تستطيع " ، وعليه فإن الذي يحدد القدرة والاستطاعة هو الفرد ذاته ، ولذلك هذا من تغيير ما في النفس بدلاً من أن يشعر الإنسان بأنه عاجز عليه أن يستعين بالله ولا يعجز ، وأن يدرك أن لديه القدرة وأنه لو اجتمعنا وتضافرت جهودنا وأخلصنا لله وحاولنا أن نمضي في الطريق أننا سنجد الأبواب أمامنا مفتوحة . وتابع : يجب علينا أن لا نحلم بتغيير يتم بين عشية وضحاها أو بين يوم وليلة ، فهناك أوضاع متراكمة ومتشابكة ومعقدة ، لكن أيضاً كوننا نمشي خطوة إلى الأمام سنجد بعض الفرص . الحق ليس واحدًا؟!! وتعقيبًا على أن البعض يرى أن الحق ليس واحدًا ، ويستشهد بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ» وأن النبي أجاز فيها كلا الطرفين ، قال الشيخ سلمان : هناك خلاف أصولي ، ولكنني أميل إلى أن الحق عند الله تعالى واحد وأما فعل الصحابة فهم اجتهدوا ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يبين الذي أصاب الحق منهم وهذا إشارة إلى أنه ربما كلهم أصابوا ولكن بعضهم أصوب من بعض . سلامة العودة وفيما يتعلق بالمقال الذي كتبته الزميلة لولو الحبيشي ، تحت عنوان "سلامة العودة" تمتدح فيه الشيخ سلمان ، قال فضيلته : لقد قرأت مقال الأستاذة لولو ، وهي تستحق التقدير والتحية لأنها متابعة جزاها الله خيراً وواضح أنها متابعة لهذا البرنامج وحديثها حديث المتابع وكلماتها الجميلة أنا أعتبرها دعمًا وإسنادًا ، مشيرًا إلى أن الإنسان لا يستطيع في الوقت ذاته أن يصادر حق الناس في نقده ، فمن حق الناس أن ينتقدوا ، وقد تكون أنت أهلاً للنقد . وأضاف فضيلته : إنني إذا وجدت أن أحدًا تناولني بما أعتقد أنه غير حق أرجع إلى نفسي وأقول ربما أنني المخطئ فقد يكون في كلامي تعميم أو شيء من هذا القبيل فإذا لم أجد ذلك تفقدت سلوكي ، فربما أكون قد ارتكبت خطأً في حق ولده أو جاره أو نفسه أو زوجه فالله تعالى يعاقبك أحياناً بهؤلاء الذين يؤدبونك ، ولذلك من رحمة الله أن يوجد بين الناس مني ومنك ومن الثاني والثالث مثل هذا اللون من الاختلاف الذي علينا أن نتقبله ونتعايش معه بصدر رحب . ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة ، تتحدث : هل يمكن لهذه الشعوب المشغولة بلقمة العيش أن تتغير ؟ ، قال الشيخ سلمان : إننا يجب علينا أن لا نزدري الشعوب ، فهذه الشعوب مهما كانت اليوم أثبتت أن لها ثقلاً وقدرة ، وحتى أولئك الناس الذين هم نخب من مفكرين أو علماء أو قادة أو إداريين أو تجار قد نشئوا في ظل آباء أو أمهات أو جيران أو عوام أو بسطاء من الناس ، ولذلك فإن لقمة العيش الكل مشغول بها ، فكل العالم يبحث عن لقمة العيش لكن يجب أن لا يكون البحث عن لقمة العيش محصوراً فقط على الناحية الاستهلاكية . وأضاف فضيلته : أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، حيث يجب على الإنسان أن يبحث عن البيئة السليمة ، والأداء ، والشعور بالأهمية ، والمشاركة في الحياة ، والمشاركة في القرار ، لافتًا إلى أن أكبر وأقوى التطلعات أو أحدث الثورات الموجودة في العالم هي ثورة التطلعات ، حيث أصبح لدى الناس تطلعات ، والتي قد تكون في جزء منها تطلعات غير عملية ، فالإنسان بطبعه كلما حصل على شيء يطلب المزيد منه لكن في أحيان كثيرة تكون هذه التطلعات مشروعة نتيجة شعور الإنسان بأنه في واقع يحتاج إلى تغيير . الفتوى.. وآلية التغيير وردًّا على سؤال ، يقول : هل يمكن أن تكون الفتوى بحد ذاتها آلية تغيير ؟ ، قال الشيخ سلمان : إن الفتوى يمكن أن تكون آلية للتغيير ، وذلك إذا كان هناك اتفاق على آلية معينة للفتوى ، وألا تنغمس في كثير من التفاصيل والجزئيات والجدليات التي يختلف الناس حولها . وأضاف فضيلته : إن الفتوى بحاجة إلى أن يكون فيها توظيف للقيمة الدينية ، والمعنى الإيماني الروحاني عند الإنسان صوب التغيير ، وليس فقط تفتيه بالحلال والحرام وإنما تدعوه إلى التغيير من داخل ذاته ، من خلال تغيير القناعات والأخلاق والعقائد المنحرفة . سماع الآخرين وتعقيبًا على مداخلة ، من مشاركة ، تقول : إننا حريصون على وقت الحلقة ، ولا نريد أن يضيع في الردود، وخليك على طريقتك ، قال الشيخ سلمان : إن الأمر ليس مناظرة ، ولكن نحن نتدرب على أن نستطيع أن نستمع وأن نسمع الآخرين وجهات نظر مختلفة ونحن نتفق ونختلف معها ، لافتًا إلى أن أكثر الناس عجزاً عن التغيير هم الذين تعودوا ألا يسمعوا من الكلام إلا ما يعجبهم . ثقافة التغيير.. والمجتمع المدني وردًّا على سؤال من مشارك ، يقول : هل ثقافة التغيير متواجدة فينا ؟ ويتحدث عن مواصفات المجتمع المدني أنها فردية ومركزية ، قال الشيخ سلمان : لا شك أن ثقافة التغيير ضعيفة ، ويكفي أن نشير إلى أن كثيراً من الناس ينظرون إلى التغيير بصورة سلبية أو ينظرون إليه على أنه أمر عشوائي دون أن يكون عندهم تصور واضح . وفيما يتعلق بغياب الكثير من مؤسسات المجتمع المدني ، أوضح الدكتور العودة: أننا لو نظرنا إلى العالم اليوم فسنجد أن هناك دولاً شعوبها قوية ، وذلك من خلال الروابط والمؤسسات الجوامع التي تجمع الناس وتوحّد رأيهم ، وحكوماتها قوية ، لكن هناك بعض الدول التي يكون الشعب فيها ضعيفاً لأنه مشتت ومفكك ولا يوجد مؤسسات المجتمع المدني التي تنظم عمله ، والحكومات قوية بمعنى أنها ممسكة بأزمة كثير من الأمور ، فلا يكون هناك توازن . وأشار فضيلته إلى أن مؤسسات المجتمع المدني يجب ألا يفهم بأنها كأنها معارضة للحكومة ، ولكنها في حقيقة الأمر دعم وإسناد للحكومات ، فهي تحمّل لجزء من المسئولية والأمانة من خلال القيام بأعمال ومصالح لم يعد من الممكن أن ترمى هذه التبعة كلها على حكومة مهما كانت . أين القائد ؟ وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن التغيير يكون عادة من الجماعة ، لكن أين القائد ؟ ، قال الشيخ سلمان : إن القائد لابد منه ، ولكن عندما يكون عند الناس رغبة في التغيير وتسري بينهم الروح ، ففي هذه الحالة فإنهم لو لم يكن لهم قائد لاستطاعوا أن يجدوا أو يوجدوا لهم قائداً . وأضاف فضيلته : لكن أي قيمة لقائد إذا لم يكن هناك استجابة من الناس ولا استماع ؟ ، فلا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له ولا رأي لمن لا يطاع كما تقول العرب . حضور للمرأة وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يقول : إنني ألاحظ أن المرأة حاضرة في تقارير مبارك الدجين المتعلقة بالبرنامج ، قال الشيخ سلمان : لعلنا ننتظر قليلاً ربما تكون التقارير القادمة مختلفة . وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، تقول : إن بعض من الحكومات ومسئولي الحكومات لا يريدون التغيير ، قال الشيخ سلمان : يقول الله تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (الكهف:79) ، فقد خطر في بالي أن الله تعالى أعطى الخضر -عليه الصلاة والسلام- قدرة غير عادية حتى إنه قام بيده وقوّم الجدار (جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ)(الكهف: من الآية77) ومع ذلك فإنه فيما يتعلق بهذا الملك الذي (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) ، فإن الخبر اكتفى بأنه حاول الحفاظ على هذه السفينة من خلال أنه خرقها حتى يرى هذا الملك الظالم أن هذه السفينة ليست جيدة وبالتالي يُعرض عنها . وأضاف فضيلته : ولذلك يجب علينا أن لا نرهن عملية التغيير والإصلاح بالموافقة أو عدم الموافقة ، فإذا وجدت إرادة التغيير فإن الله تعالى لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه والعكس بالعكس (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)(الرعد: من الآية11) تغيير مؤقت وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يقول : إن بعض أشخاص يتقنون التغيير المؤقت في رمضان ، قال الشيخ سلمان : إنه لاشك أن رمضان فرصة للتغيير وهو شهر التغيير فعلاً حتى إن النظام الغذائي والحياتي والأسري والوظيفي يتغير في رمضان بشكل واضح ، فالكثير من الناس يجدون فرصة في التعبد لله -سبحانه وتعالى- والسجود والخضوع بين يديه ، والدعاء في القنوت ، وفي الروح الإيمانية التي تشع في قلوبهم ، مشيرًا إلى أن هذه فرصة كبيرة لأن نغير الكثير من أخلاقنا وعاداتنا ، فهناك فواحش موجودة ، حيث ينظر البعض إلى الفاحشة على أنها فاحشة أخلاقية ، في حين أن البعض قد ينظر إلى فاحشة الغش أو الفساد أو السرقة من المال العام أو حتى السرقة من الوقت العام أو الظلم . وأضاف فضيلته : أن الظلم موجود على الصعيد الاجتماعي ، حيث نجد الظلم على صعيد الأسرة ، وعلى صعيد المسئولية الخاصة ، لافتًا إلى أن هذه فرصة لأن نصلح هذه الأشياء ونعدلها وأن نسعى أن يكون هذا التغيير دائماً على الأقل ولو ببعض الأشياء ، فالتغيير إذا استمر لشهر ، فإنه لابد أن يترك أثراً جيداً في نفس الإنسان ، لكن علينا أن نصطحب من رمضان هذا إلى رمضان القادم بعض الطبائع والعادات الكريمة الجميلة التي اقتبسناها. أحلام.. وقدرات وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يتحدث عن أن التغيير يدفع الإنسان إلى التطلع إلى أحلام ربما تفوق القدرات ، قال الشيخ سلمان: هذه قضية مهمة ، فبعض الناس ربما لا يعرف قدراته بينما الواقع أن لديه قدرات كبيرة جداً فهو لو أعطى الفرصة لنفسه سيكتشف أن لديه المواهب والقدرات وأهم شيء ألا يزدري نفسه وألا يتعود تكرار الكلمات والألفاظ التي تعبر عن الإحساس بالضعف أو النقص أو العجز ، وأن يسعى دائماً إلى التغيير نحو الأفضل . أساس التغيير وتعقيبًا على مداخلة من مشارك ، يتحدث عن أن القرآن هو أساس التغيير ، قال الشيخ سلمان: نعم ، فالقرآن هو أساس التغيير ، كما أن أي تغيير راشد ينبغي أن يستلهم القرآن الكريم ، لكن الفكرة التي أشار إليها الأخ الكريم ليس عندي فيها تصور ولذلك يمكن أحتاج إلى أن أطلع عليها بشكل أفضل حتى أعلق عليها بشكل أفضل . انتظار المؤذن وردًّا على سؤال ، يقول : هل صحيح أن ننتظر المؤذن في الإفطار في رمضان حتى ينتهي من الأذان ونفطر معه وكذلك في الإمساك ؟ ، قال الشيخ سلمان: إن الأذان هو علامة على دخول الوقت فإذا أذن المؤذن للمغرب جاز للإنسان أن يفطر بل استحب له أن يفطر وعدم تأخير الفطور إلى ما بعد الأذان أو إلى ما بعد الصلاة فإن أحب العباد إلى الله أعجلهم فطراً . وأضاف فضيلته أن هذه هي السنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وكذلك فيما يتعلق بالسحور لكن لو أن الإنسان في السحور ابتلع جرعة أو شرب كأساً من الماء فإنه لا حرج عليه في ذلك لما قد يكون من الاحتياط في أول الأذان . ذبيحة.. وزكاة وردًّا على سؤال ، يقول : هل يجوز الأكل من ذبيحة المسيحي ؟ ، قال الشيخ سلمان: يقول الله -سبحانه وتعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)(المائدة: من الآية5) فالأصل حلّ ذبائح أهل الكتاب إذا لم يعلم أنهم ذكروا عليها اسم غير الله -عز وجل- . وردًّا على سؤال من مشاركة ، تسأل عن الزكاة وهي تبني بيتاً ، قال الشيخ سلمان: إذا وجد عندك مال بنية بناء بيت وحال عليه الحول وهو قد بلغ نصاباً فهذا تجب فيه الزكاة . وفي الختم دعاء وختم الشيخ سلمان هذه الحلقة بالدعاء قائلاً: يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، لك الحمد بالإسلام ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو ليل أو نهار أو بر أو بحر أو نفس أو أهل أو مال أو ولد ، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا ، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، اللهم إنا نسألك باسمك العظيم ووجهك الكريم وسلطانك القديم وكلماتك التامات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر . اللهم إلهمنا رشدنا اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام ، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت الحي القيوم ، اللهم إنا نسألك بكل مسألة تحبها وترضاها مما سألك بها أحد من ملائكتك أو أنبيائك أو رسلك أو عبادك الصالحين فأجبته وقبلته إلا تقبلتنا جميعاً في هذا الشهر الكريم وأعنتنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم أعنا على الصيام والقيام وتقبل منا يا رب الأنام ، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شح أنفسنا ، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والسداد والعفاف والغنى يا أرحم الراحمين ، اللهم إنا نسألك لوالدينا وأزواجنا وذرياتنا وقرابتنا وأصدقائنا وأحبابنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات يا رب الأرض والسماوات. اللهم إنا نسألك لكل مؤمن على ظهر هذه الأرض يا حي يا قيوم أن تقبل دعواته وتغيث لهفاته وتكشف ما به من الضر والكرب والهم والبلوى يا رب العالمين ، اللهم وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، اللهم اهدهم من ضلاله وعلمهم من جهالة واجمعهم من شتات وردهم من غربة واكشف ما بهم من كربة واجمعهم على الحق والهدى ، اللهم إنا نسألك للحكام وللمحكومين وللعلماء وللعامة وللخاصة وللرجال وللنساء وللكبار وللصغار يا أرحم الراحمين أعطهم من فضلك ولا تحرمهم وكن لهم ولا تكن عليهم وانصرهم ولا تنصر عليهم ، وانصرهم على من بغى عليهم ، اللهم إنا نسألك بفضلك العظيم وقدرتك التامة ورحمتك السابغة وحكمتك البالغة يا أرحم الراحمين أن تنزل من رحمتك وفضلك وفيضك وعطائك على المسلمين في كل مكان ، اللهم إنا نسألك لإخواننا في باكستان يا أرحم الراحمين اللهم الطف بهم اللهم كن معهم ولا تكن عليهم . اللهم اكفينا شر نفوسنا اللهم آثرهم ولا تؤثر عليهم ، اللهم سدد خطواتهم ، اللهم اجمعهم على الحق والهدى ، اللهم اشف مريضهم وعاف مبتلاهم وارحم موتاهم واشف مرضاهم يا أرحم الراحمين ، اللهم إنا نسألك أن تقيض جهود المسلمين حاكمين ومحكومين إلى الوقوف معهم ومساندتهم ومساعدتهم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم إنا نسألك ونبتهل إليك ونتضرع إليك باسمك العظيم وبوجهك الكريم وكلماتك التامات وقدرتك يا رب العالمين أن تكفينا شر نفوسنا وشر الشيطان وشركه وشر كل ذي شر وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى . |
0 التعليقات:
إرسال تعليق