تابعنا :

Ads 468x60px

السبت، 6 نوفمبر 2010

"أشتات من الذكريات في موسم الحج" للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

أشتات من الذكريات عن موسم الحج

"كل من تلقاه يشكو دهره" (هكذا قال الشاعر الذي نسيت اسمه) ولكن الذي تبين لي أيام العيد، إن في الجملة خطأ مطبعياً، هو أن هذه الواو محرفة عن الراء، فما قابلت أحداً من الحجاج إلا وجدته يشكر ولا يشكو، يثني على سهولة الوصول، وأن الطرق سالكة وأن السيارات تنساب فيها كالماء في الجدول، فلا زحام ولا صدام، ولا اختناق ولا وقوف مشت السيارات من عرفات إلى مزدلفة، كما تمشي سائر أيام السنة، فالسير المنظم، والشرطة الساهرة ناظرة لا تدع للسانٍ مكاناً للشكوى. والماء البارد المثلج ميسور موفور في كل مكان، بالمجان، هدية من الملك إلى حجاج بيت الله الحرام، وأن الحمامات والمراحيض النظيفة في كل موضع تسد الحاجة، وتضمن النظافة.

وما كنت أريد أن أقطع سلسلة ذكرياتي لأتكلم عن الحج، ولكن ما سمعته ذكرني بضده – وكذلك يكون تداعي الأفكار – ذكرني بحجتنا أول سنة أقمت فيها في مكة هذه الإقامة الأخيرة، سنة 1384هـ . ولم تكن حجتي الأولى في عمري، ولكنها الأولى منذ أكرمني الله فجاورت في مكة من إحدى وعشرين سنة، خرجنا من عرفات بعد غروب الشمس، فما بلغنا مكة إلا ضحى الغد، لأننا لم نستطع الوقوف في منى. ما قطعناه في أربع عشرة ساعة قطعه حجاج هذا الموسم في ثلاث ساعات أو ساعتين وبعضهم قطعه في أقل من ساعة.

ولكن لماذا أحدث بهذا الآن؟ وما الذي يستفيده القراء من هذا الحديث؟

أما الذي يستفيده القراء فهو إذكاء الشعور بما يعيشون فيه من نعيم، لما بلغوه من تقدم واتقاء. إنه لا يعرف قيمة الرخاء إلا من عاش في الشدة، ولا لذة الوجدان إلا من قاسى وجع القلب بالحرمان.

من كان يظن قبل خمسين سنة، لما جئت مكة أول مرة، بل من كان يتوهم قبل عشر سنين أننا سنخرق الجبال بالأنفاق، وأننا نساير السحب في الفضاء، بالطيارات الحوامات، ونشرب الماء عذباً مطهراً بارداً بلا ثمن؟

من عرف كما عرفت شظف الماضي حتى القريب منه أدرك كما أدركت عظيم نعمة الله علينا بلين الحاضر ونعومته ورخائه.

إنكم هنا دون بلاد الله جميعاً، في نعمة من الأمان ومن السعة ومن الغنى: غنى اليد بالمال، وغنى القلب بالأمان، لمن أراد هذا الغنى لقلبه، ولم تطغه الحياة الدنيا.

إنكم هنا في نعمة لا نظير لها، فسيحوا في الأرض كلها فلن تجدوا مثلها، فاستديموها واستزيدوا منها بشكر الله عليها: شكر اللسان وشكر العمل، وشكر القلب الراضي عن الله.


أما جواب فضيلة الشيخ علي الطنطاوي على سؤاله الثاني وهو (لماذا أحدث بهذا الآن؟) سنذكره لكم في الأيام القادمة إن شاء الله فتابعونا..

0 التعليقات:

:: ترتيب المدونة عالميــاً ::

RSSMicro FeedRank Results