تغيير..أم.. تبديل
وتابع فضيلته أن هناك أمثلة كثيرة على هوس التغيير، منها: الموضة التي تتغير بسرعة، والروح الاستهلاكية الشائعة في بلاد العالم كلها من خلال متابعة أحدث التقليعات والأنماط، فضلًا عن هوس التغيير فيما يتعلق بالجمال وعمليات التجميل التي ربما شاعت في كثير من المجتمعات وخاصة في الأوساط النسائية، وهذه كلها أنماط من الهوس في التغيير الذي نعتبر أنه ينتمي إلى التغيير السلبي، يقول تعالى: (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: من الآية23)، فهذه الآية الكريمة ولها نظائر توحي بأن هناك ألوانًا من التغيير السلبي المذموم الذي يجب على الإنسان أن يحاربه وينأى بنفسه عنه سواء سميناه تغييرًا أو سميناه تبديلًا كما جاء في الصيغة القرآنية.
وهم القوة
وذكر الشيخ سلمان أن القدرة هي أمر جوهري وضروري، مشيرًا إلى أنها مرتبطة بشكل كبير بالوعي، وعلى سبيل المثال، فإنه على الرغم من أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مؤيدًا بالوحي وعنده الملائكة وحتى بعد الهجرة إلى المدينة وإقامة الدولة، فإنه كان يتعامل بوعي وبواقعية وباعتدال بعيدًا عن تجاهل الآخرين أو القوى الأخرى.
وأشار فضيلته إلى أن الكثيرين يظنون أن القوة هي التي تغيّر العالم، متسائلًا: ماذا صنع هتلر غير أنه دمر شعبه وشعوب العالم؟، وكان يقول: إنني حينما أسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي أو أضع يدي على الزناد على مسدسي، فهو كان يؤمن بأن القوة هي فقط الوسيلة لتغيير العالم، كما أن كثيرًا من الناس عندهم هذه "وهم القوة"، وأنهم يستطيعون أن يغيروا كل شيء ولا يعتبرون بأنفسهم أنهم ما استطاعوا أن يغيروا، أو عادة سيئة موجودة في داخلهم، موضحًا أن القوة من أخطر القضايا المهمة في التغيير.
توجيه القدرة
وفيما يتعلق بأن القدرة قد تكون موجودة لكن المشكلة في توجيهها، قال الشيخ سلمان: إنه لابد من تنظيم القدرة، وعلى سبيل المثال، فإن أحد الآباء قال لولده: اعمل الشيء هذا. فحاول الولد وحاول وفشل، فقال له: هل فشلت. قال: نعم. قال: هل استنفذت كل وسائلك؟ قال: نعم استنفذت كل الوسائل. قال: لا، بقي وسيلة واحدة ما استنفذتها وهي أن تطلب مني مساعدتك!
وأضاف فضيلته أن فكرة التشرذم في المجتمعات الإسلامية، وأن كل واحد منا سيصنع عالمه الخاص به ويرسم خطة ووصفة معينة لكن لا تستطيع أن تحاكمه إليها لأنه بعد حين قد تسأله: أين الكلام الذي كنت تقول سيحدث وسيحدث؟، فيقول بكل بساطة: إن الكلام فُهم غلطًا أو أنه لم يكن هناك نية صالحة في تنفيذ هذا الشيء.
وكشف الشيخ سلمان عن نيته قبل كتابة مؤلف في الاستطاعة والقدرة، مشيرًا إلى أنه يوجد كتاب اسمه "نظرية التقريب والتغليب" للدكتور أحمد الريسوني يغطي جزءًا من هذه الأمر، حيث يلامس جانبًا واحدًا منه فقط ولكنه جميل أن يقرأ، فالكتاب يمكن أن يستفيد منه المختصون أو طلبة العلم كما يمكن أن يستفيد منه غيرهم.
كلام جميل.. ولكن
ولفت الدكتور العودة الانتباه إلى أن الأمر ليس عبارة عن كلام نعتقد أنه جميل أو أنه الحل، موضحًا أن سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم تكن سجلًا للمعجزات أبدًا، ولكنها كانت سجلًا للمحاولات البشرية وفعل الأسباب، وأبلغ مثال على ذلك الهجرة النبوية، فالله -سبحانه وتعالى- في الإسراء والمعراج جاء بالبراق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وركِبه وأُسري به في مثل لمح البصر إلى بيت المقدس ثم عُرج به إلى السماء.
وتابع فضيلته: لكن فيما يتعلق بالهجرة النبوية، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- اختفى ووضع الحراسة وخرج في وقت معين ورتب مع أبي بكر الصديق وذهب إلى الغار، ثم ذهب إلى المدينة وفق أحدث طرق التخطيط والرسم والتنفيذ واتخاذ كافة الإجراءات المطلوبة.
ثمن عدم التغيير
وتعقيبًا على مداخلة تقول: من الخطأ أن تعتقد أنك ولدت بشخصية معينة لا سبيل لتغييرها، فأنت في تغير كل يوم، قال الشيخ سلمان: إن من لم يدفع ثمن التغيير سيدفع ثمن عدم التغيير، مشيرًا إلى ضرورة أن يتمتع الإنسان بالشجاعة مع النفس والأصدقاء الذين يجب أن يكون الإنسان شجاعًا في مواجهتهم بغير ما يجبون، كما أن الشجاعة مع العدو هي آخر أنواع الشجاعة، فالمثل يقول: "ليست الشجاعة هي أن تقول كل ما تعتقده ولكن الشجاعة هي أن تعتقد كل ما تقوله"، فمن المهم أن نكون صادقين وأن نكون الرائد الذي لا يكذب أهله.
وأضاف فضيلته أن المجتمعات اليوم لا يمكن أن تبقى كما هي ولم تبق يومًا من الدهر كما هي، فهي إما صعود أو نزول، حيث يمكن أن نستنبط هذا المعنى من قول الله -سبحانه وتعالى- (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (المدثر:37) أي: أنه ليس هناك مجال لأن يمسك الإنسان على حاله كما هو، فلابد إما أن يتقدم أو يتأخر، ولذلك إن لم نسعَ إلى التغيير بشكل جدي، وأن نسعى إلى تغيير واقعي ومعقول وليس إلى مثاليات نضعها في رؤوسنا ونريد أن نقسر الناس عليها قسرًا.. فسوف ندفع ثمن عدم التغيير.
ثورة تطلعات
وذكر الشيخ سلمان أن الشباب يعيش اليوم ما يمكن أن طلق عليه "ثورة التطلعات"، وذلك من خلال مشاهدتهم للإعلام والفضائيات والأوضاع الدولية، حيث يصبح هناك قدر كبير من المقارنة، وبالتالي تطلع إلى الوصول لما وصلت إليه المجتمعات الأخرى، وهذا ما أحد ثورة تطلعات عند الشباب، والأجيال الجديدة، والأولاد والبنات نحو أوضاع أفضل فيما يتعلق بالشفافية، وتطوير الذات، وتطوير النظام، وتطوير الأداء.
وأشار فضيلته إلى أن هذا النمط من ثورة التطلعات الموجودة عند الشباب يمكن أن يوظف بشكل صحيح، وذلك من خلال توظيف دور المرأة أو الفتاة، ودور العامة من الناس، فنحن توارثنا في تاريخنا الإسلامي قدرًا من النخبوية كأداة تغيير.
التغيير شراكة
ولفت الدكتور العودة إلى أن التاريخ غالبًا ما يتحدث عن النخب، لكن لا يؤرخ للأشخاص العاديين من أصحاب الحرف بنفس القدر؛ مع أنه ربما يكون من الظلم أن نتحدث عن العامة ونقول إنهم يسببون ازدحام الشوارع وأنهم يرفعون الأسعار فقط، فلولا أبوك وأخوك وزوجتك وجارك ومعلمك الذي ربما تنظر إليه على أنه من تراث الماضي لم يكن الواحد منا شيئًا مذكورًا، فلا قيمة للإنسان من دون أولئك الناس الذين ربما يكونون بسطاء ولكنهم يحيطون به ويقومون بإعداده وصناعته.
وأكد فضيلته أن التغيير لا يمكن أن ينجح ما لم يكن عبارة عن شراكة، فالتغيير هو شراكة، فهناك من يشارك في قيادة التغيير، وهناك من يشارك في صناعة التغيير، وهناك من يشارك في توجيه التغيير وإرشاده، بل حتى أولئك الذين يحاربون التغيير وربما تتحدث عنهم في يوم من الأيام هم جزء من الشراكة لأنهم يؤدون دورًا مهمًا في الحياة.
إرادة جماعية
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن التغيير مرتبط بإرادة جماعية سواء استشعر الناس ذلك أم لا، قال الشيخ سلمان: إن التغيير قد يمس دورًا أو جانبًا معينًا، فليس من الضروري أن نشعر بأن القضايا الكلية هي التي ينبغي أن ننشغل بها.
وأضاف فضيلته أن نجاح الإنسان على صعيده الخاص قد يكون مساهمة كبيرة في التغيير بدلًا من أن ننشغل جميعًا في القضايا الكبرى والقضايا الكلية.
تــابـــع
0 التعليقات:
إرسال تعليق