تابعنا :

Ads 468x60px

السبت، 14 أغسطس 2010

سلمان العودة: كثير من الناس يتوترون عندما يسمعون كلمة التغيير 4

تغيير اجتماعي
وردًّا على سؤال يقول: هل يستلزم التغيير الاجتماعي وعيًا من المجتمع بكافة درجات هذا التغيير أم يكفي وعي نخب معينة؟ قال الشيخ سلمان: إنه لابد أن يكون هناك قدر من الوعي بالنسبة للقيادات التي تتولى التغيير سواء كانت قيادات سياسية أو علمية معرفية، كما يقولون: "الرائد لا يكذب أهله"، فتلك القيادات التي تقول الكلمات الجميلة ينبغي أن يكون لديها وعي إلى أين هي ذاهبة وما حجم الممكن والمقدور عليه.


وأضاف فضيلته أن بعض الناس قد يتولد عندهم الوعي ولو بعد حين، يقول الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(الشورى: من الآية16)، فبعض الناس قد يكون عنده تردد أو توقف ولكنه يستجيب بعد فترة، وذلك عندما تزول عنده المخاوف ويطمئن إلى أن هناك حالة تغيير إيجابي وجاد وليس مؤقتًا أو عابرًا.
النية.. لا تكفي
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن النية وحدها لا تكفي في التغيير، ولكن يجب أن يكون لدى الإنسان قدرة على التغيير، قال الشيخ سلمان: إنه بدون قدرة لا يجب الحديث عن التغيير أصلًا، ولكن المشكلة تكمن في أننا كأفراد غالبًا حينما نتحدث عن القدرة الفردية يغلب علينا الحديث بشيء من العجز، بحيث أننا نردد دائمًا فكرة "غيّر جبلًا ولا تغير طبعًا"، وكأننا بذلك نلتمس العذر لأنفسنا أننا غير قادرين على تغيير الطبائع والخصال الموجودة عندنا وفينا، وكثيرًا ما نردد:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وأضاف فضيلته أنه فيما يتعلق بالتغيير الشخصي، فإننا نهرب من التغيير تحت ذريعة أن التغيير غير ممكن وغير مقدور عليه، بينما إذا أردنا أن نتحدث عن التغيير العام أو تغيير المجتمع أو تغيير العالم، تجدنا نتحدث بلغة فيها كثير من اللامبالاة وكأن الأشياء تحدث بمجرد أن نتكلم فيها، وكأنه بمجرد ما نتكلم عن تغيير العالم فإنه يتغير فعلًا ولا نقيس الهرم مقلوبًا.
إرادة قوية
وأكد الدكتور العودة على ضرورة أن تكون عند الإنسان إرادة قوية؛ ولذلك فإن أحد التجار الأمريكان سألوه وكان فقيرًا، كيف حصلت على هذا المال؟ قال بطريقتين:
الطريقة الأولى: أنني قررت أن أكون ثريًا.
الطريقة الثانية: أنني حاولت.
ونجح في المحاولة، مشيرًا إلى أن الأمر ينطبق على أي شيء آخر، في أي نمط من التغيير الفردي لكن حينما تتحدث عن التغيير العام فإننا نتخيل أنه كم من القوى المتصارعة والمتعارضة والداخلية والخارجية والصادقة وغير الصادقة والطوائف والمكونات والتيارات والمذاهب، وكم من الإسلاميين يومًا من الأيام كانوا في مجالسهم يتحدثون عن حلم التغيير وكأن الأمر هو مسألة وقت؟
واستطرد فضيلته أنه كم من اليساريين من كانوا يجتمعون ويتحدثون عن التغيير والفردوس القادم وكأن الأمر ليس سوى انتظار قليل؟، وكم من الحكّام حينما يأتون والرؤساء تجد أنهم يمطرون شعوبهم بوعود بالتغيير والإصلاح، ثم يمنحون بعض الوقت وأن يتم مساعدتهم على تصفية خصومهم وأعدائهم ثم بعد ذلك يطول انتظار الناس دون أن يحصلوا على أي جرعة حقيقية من التغيير.
سلامة الرؤية
وردًّا على سؤال يقول: ماذا عن سلامة الرؤية؟، قال الشيخ سلمان: إن بوصلة الرؤية مهمة جدًا، فالإنسان الذي يفتقد الرؤية لا يعرف إلى أين يذهب، وعلى سبيل المثال، فإنه عندما سئل أحدهم قال: إنني عندي ستة رجال أستعين بهم وأنا لا أعرف منهم إلا أسماءهم؛ من، وماذا، ولماذا، ومتى، وكيف، وأين؟، وكما يقولون: "إن الريح في البحر لا تخدم البحّار الذي لا يعرف وجهته"، فما لم تكن تعرف إلى أين أنت ذاهب، فإنك لا تستطيع أن تدري هل أنت على صواب أم على خطأ، وكم قطعت من المسافة، ولذلك فإن التخطيط يعد هامًا جدًا في التغيير، فنحن لا نبالغ في التخطيط حتى نزعم أنه كل شيء، ولكن من دون تخطيط لا يمكن أن يحلم الإنسان بتغيير خاصة إذا كان التغيير جماعيًا، كما أن هناك أهمية كبرى للتخطيط الفردي.
وأضاف فضيلته أن هذه الرؤية يجب أن يدركها الكثير من القيادات العلمية والسياسية، كما أن جمهور الناس يحتاجون إلى أن يكونوا شركاء في هذه الرؤية، فإنك إذا أردت من الناس أن يصنعوا سفينة لا تطلب منهم مباشرة أن يجمعوا الأخشاب أو أن يقوموا بالنجارة، فهم ربما لا يكونون مقتنعين بذلك في البداية، لكن حاول أن تعلمهم كيف يشتاقون أن يخوضوا البحر ويشاهدوا جماله وعمقه واتساعه، فإذا وجدت عندهم الأشواق إلى مشاهدته، فإن هذا سيكون خير دافع ورؤية لهم إلى المشاركة في عملية التغيير وأن يكونوا جزءًا من هذه الرؤية.
غياب الإرادة
وردًّا على سؤال يقول: ماذا لو فقد المجتمع الإرادة التي هي العنصر المهم في الرغبة في التطوير والتغيير؟، قال الشيخ سلمان: يقول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)(النساء: من الآية35)، فالإرادة هي نتيجة الشعور بواقع ورؤية معينة يحلم الإنسان أن يذهب إليها، فإذا كان الإنسان - راضيًا بهذا الواقع مستسلمًا له أو مستفيدًا منه، فإنه لا يمكن أن يسعى للتغيير لأن الإرادة غائبة.
وأضاف فضيلته أن الإنسان الذي يفتقد الإرادة يفتقد الروح، فقد يكون الإنسان جسده كبيرًا وقويًا ولكنه من غير روح لا يستطيع أن يقف ولا أن يتحرك.
عمل جماعي
وتعقيبًا على تقرير الحلقة، والذي تحدث عن مجموعة تطوعية أرادت أن تخلق "غرفة غير" داخل المستشفى من أجل ترفيه الأطفال، قال الشيخ سلمان: هذا شيء جميل، حيث يمكننا أن ننطلق من هذا التقرير الجميل إلى الإشارة إلى نوع من التغيير الذي ننشده ونبحث عنه، فنحن لن نطلب أو نحلم بتغيير مفاجئ أو تغيير ينزل على الناس من دون ترقّب أو انتظار، وإنما التغيير يبدأ من الصغر أو من الصفر أو من النقط ليتحول مع الوقت إلى همّ جماعي.
وأضاف فضيلته أن العمل المؤسسي أو العمل التطوعي في المجتمعات يعد من أعظم صيغ التغيير لأنه يربي الناس على أن يكونوا دائمًا فريقًا واحدًا، فالناس أحيانًا قد يشعر الواحد منهم بأن نجاحه بأن ينفرد عن الناس حتى يثبت بأنه ناجح، لكن حينما يتحول الإنسان إلى فرد ضمن فريق وأن نجاح الفريق هو نجاح لكل أعضائه، فإن هذا سيكون قدرًا إيجابيًا في التغيير.
تنوع طبيعي
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: إن جهات متشددة في كل مذهب يتكفلون دومًا بمحاربة التغيير والمغيرين حتى لو كانوا أمواتًا، قال الشيخ سلمان:
إنه من المؤكد أن هناك فئات متشددة، مشيرًا إلى أن هذا التنوع طبيعي، وأنه لا سبيل إلى إزالة التشدد كما أنه لا سبيل إلى إزالة التساهل والتفريط، فهذا موجود عند أمم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، كما أنه موجود عند المسلمين داخل الطوائف المختلفة، بل إنه حتى في التيارات السياسية نجد أن هناك يمينًا ويسارًا ووسطًا.
وأضاف فضيلته أن بعض الإخوة يقترح أن نركز دائمًا على وجود يمين ويسار ووسط وأن نشير إلى ذلك، مشيرًا إلى أن الشيء الذي ينقصنا هو القدرة على فهم الآخرين، والتعايش معهم، والقدرة على الصبر، لافتًا إلى أن الخلاف مع الآخرين هو سنة إلهية.
ليس تعييرًا
وذكر الدكتور العودة أن السنة الإلهية تقتضي أن يظل الناس مختلفين، مشيرًا إلى أنه من الخطأ أن يضخم الإنسان في نفسه، وأن يضع نفسه في كفة والآخرين كلهم من الحي والميت في كفة أخرى، فهذا ليس منطقيًا؛ فالسنة الإلهية تقضي أن البشر (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )(هود: من الآية119،118) كما قال ربنا -سبحانه وتعالى-، ولذلك أتمنى ألا يفهم التوصيف على أنه سب، فعندما يصف الإنسان آخرين بأنهم متشددون، فإن هذا قد يكون وصفًا وليس تعييرًا.
وأردف فضيلته: ومثل هذا أولئك الذين يعترضون على التغيير، فإنني لا أرى أن أصفهم بأنهم رجعيون لمجرد أنهم لا يقبلون نمطًا من التغيير قد أقترحُه عليهم، فقد يكون عندهم أسلوبهم أو طريقتهم الخاصة، لافتًا إلى أن بعض الناس قد يكون قاسيًا جدًا ولكنه حساس تجاه ما يصدر من الآخرين.
القسوة على القاعدة
وضرب فضيلته مثالًا لذلك، قائلًا: لقد قال لي شخص ذات مرة: إنك تقسو على تنظيم القاعدة. إنني لم أقسُ ولكن حكمت على الفعل بالخطأ والمخالفة للشريعة وقناعات دينية وشرعية وفكرية أرى أن تركها وعدم التصريح بها خيانة للأمة وخيانة لله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، وأن الإنسان يتحمل تبعات هذا الشيء لأنه يدين به.
وتابع فضيلته: لكن هب أنني قسوت، فإنني أتحدث عن أناس يحملون السلاح ويقتلون كثيرًا من الأبرياء تحت حجج عديدة، وهذه غاية القسوة، أفلا يتحملون أن يصدر من إنسان ما صوت أو لفظ ربما يبدو لهم أن غيره كان أفضل منه؟! هب أن هذا حدث لكن تظل القدرة على تحليل الذات والنظر في عيوب الذات أمرًا مهمًا جدًا.
سب الصحابة
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، تتحدث عن أن البعض يطلقون كلامًا غير أخلاقي على صحابة رسول الله، قال الشيخ سلمان: إن الله نهى عن ذلك حتى مع الكفار، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)(الأنعام: من الآية108)، فإنه حتى سب المشركين وآلهتهم ليس مأذونًا به ولا مطلوبًا، وإنما المطلوب هو الكلام اللين والحسن.
وأشار فضيلته إلى أن البخاري في الأدب المفرد عند تفسير قوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) (البقرة: من الآية83) يروي عن ابن عباس أنه قال: "لو قال لي فرعون بارك الله فيك لقلت له وفيك"، وفي ذلك إشارة إلى الرقي باللفظ، فقد تختلف مع الآخرين كما يحلو لك سواء أكان اختلافًا جزئيًا أو كليًا لكن لا تجعل هذا الاختلاف مدعاة للإطاحة بهم أو التشكيك في نواياهم أو في قدراتهم أو وصفهم بالجهل أو بغير ذلك من المعاني لمجرد أنك تختلف معهم.
غربة.. وتغيير
وردًّا على سؤال من مشارك، حول علاقة حديث الغربة والغرباء بالتغيير، قال الشيخ سلمان: إن قوله صلى الله عليه وسلم "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا"، فيه إشارة إلى قدر من التغيير الذي يحدث، كما أن إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا المعنى تأكيد أنه سيحدث فعلًا، فهذا ليس لتسويغه ولكن ليتعلم الناس كيف يتكيفون مع هذه الأوضاع حتى لا يفاجئوا بها فيصبح الواحد منهم يعيش وضعًا مأزومًا في داخل نفسه لأنه لم يستطع أن يفهم هذه الأوضاع، ولذلك جاءت نصوص كثيرة جدًا تتحدث عما يسميه الفقهاء بفساد الزمان، لافتًا إلى أنه ليس فساد الزمان ذاته وإنما فساد ناس الزمان.
وأضاف فضيلته أن الحديث عن الغربة لا يعني أن يستشعر الإنسان في نفسه أنه هو الغريب ثم يبدأ ينظر للناس من هذا المنطلق، وذلك مثلما يفعل بعض الأصوليين عندما يختلف أحد معهم، فيقولون: هل الحق واحد أو متعدد؟ فبعضهم قال: الحق واحد لا يتعدد. وبعضهم قال: الحق متعدد يمكن يكون أكثر من طرف كلهم معهم حق.
الحق معي؟!!
وأردف الدكتور العودة: لقد تناقشنا ذات مرة فقلت لأحد الإخوة: إن الراجح أن الحق واحد ولكن ليس معنى ذلك أنني أنا الحق، فليس كون الحق واحدًا معناه أن تكون أنت على الحق، فأنت بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، فالإنسان يخطئ ويصيب، فلا تعتقد أن لك الغربة وأن الآخرين هم أفسد الناس، لأن من صفات الغرباء أنهم يصلحون إذا فسد الناس أو يصلحون ما أفسد الناس أو يتمسكون بالسنة عند إعراض الناس عنها، فلا ينبغي للإنسان أن يظن أن الغربة معناها أنه يكون هو الغريب.
ولفت فضيلته إلى أن الغربة ليست معنى سلبيًا، بل يجب أن تكون معنى إيجابي في التأثير على الآخرين والصبر عليهم «الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ كَأَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ. قَالَ:«أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ».
الدعوة إلى الله
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يتحدث عن مكاتب دعوة الجاليات ثم يقترح إنشاء مراكز لدعوة المخالفين، قال الشيخ سلمان: إن الدعوة ليست مرهونة بمراكز أو بجهات، فالدعوة إلى الله شعور إنساني ينبغي على الإنسان أن يبدأ به في أي موقع إلكتروني أو مجلس أو مداخلة أو غير ذلك، كما يجب على الإنسان أن يتذكر قول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: من الآية125).
وأضاف فضيلته: وعلى ذلك فإنه يفترض ألا تهاجم أولئك الناس الذين تدعوهم إلى الله -سبحانه وتعالى-، ولكن ينبغي أن تدعوهم بالحسنى وتصبر عليهم وتطوّل النفس معهم لأن هذا أهم وسيلة، وكما يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "قلما أغضبت أحدًا فقبل منك".
غياب الروحانيات
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: إن دائرة الإسلام دائرة واسعة، فلماذا يغيب الجانب التعبدي الشامل وتغيب الروحانية؟، قال الشيخ سلمان: إن كثيرًا من المسلمين قد يجد بعض الخشوع في صلاته أو في قراءته للقرآن لكن يغيب عنه الخشوع في مجالات أخرى، مشيرًا إلى أن هذه وإن كانت قضية مكلفة، إلا أنها مفيدة جدًا، فمع طول المحاولة، واستحضار الإنسان عبوديته لله وهو يحضن طفله أو يداعب زوجته أو يطعم ضيفه أو يصبر على خصمه أو يحسن إلى سائقه أو خادمه يحول الخشوع إلى أن يكون جبلّة وطبيعة وغريزة في نفسية الإنسان، وهذا جزء أساسي من التغيير، فإنما الأعمال بالنيات.
وأضاف فضيلته أن التكلف ربما يحول بين الإنسان وبين استشعار الروحانية في كثير من أعمال الحياة، مشيرًا إلى أن الدين سيكون حافزًا للتغيير، فالإيمان بالله واستشعار هذه المعاني والقيم والقرآنيات والنصوص والعبادات هي حافز شديد نحو التغيير الإيجابي الرشيد.
توظيف الدين
وأردف الدكتور العودة: ولكن من الخطأ أن نحول الدين إلى توظيف، فكل طرف عنده رؤية معينة يحاول أن يوظّف الدين توظيفًا خاصًا لهذه الرؤية، مشيرًا إلى أن هذا يعني أن الآخرين سيوظفون الدين، وبذلك يختلف الناس على الدين.
وتابع فضيلته: يقول الله -سبحانه وتعالى-: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(الشورى: من الآية13)، وعلى ذلك فإن رأيي الخاص لا أعتبره دينًا ولا أعتبره فتوى وإنما هو يظل رأيًا بشريًا.
التغير مع الآخرين
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن هناك من يحدث في حياته تغير كأن يكون فقيرًا فيغنيه الله فيتغير على الناس من حوله ويصبح لا يرى أحدًا من حوله، قال الشيخ سلمان: إن الطفرة في التغيير يكون لها سلبيات كثيرة جدًا، ولذلك فإن هناك تغييرًا هادئًا متدرجًا تراكميًا، وهذا رائع جدًا، لكن هناك تغيرات عنفية وثورية يحتشد الناس حولها، لكن مع الوقت تبدأ تفقد وهجها وتصبح بحاجة إلى تغيير.
وأضاف فضيلته: إننا إذا تخيلنا أن دين الله -سبحانه وتعالى- بحاجة إلى تجديد كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»، وهذه دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- فكيف بدعوة غيره من الأئمة والعلماء؛ الشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وحسن البنا والأئمة، لافتًا إلى أن هذه الدعوات قد تفقد وهجها مع الوقت ويصبح الإنسان بحاجة إلى تجديد.
إباحة كشف وجه المرأة
وتعقيبًا على ما أثارته فتوى الشيخ سلمان بإباحة كشف المرأة لوجهها في الدول التي تمنع النقاب، ـ حيث رأى البعض ضرورة التراجع عن هذه الفتوى، ورأى البعض الآخر أن كلمة "لا بأس" التي اشتملت عليها الفتوى فيها تلطيف للموقف - قال الشيخ سلمان: إنني لا أريد أن أقول أني أميل إلى الرأي الثاني، الذي يرى أن كلمة "لا بأس" أحيانًا فيها تلطيف للموقف لأن الإنسان الذي يعيش في دائرة ضيقة ربما يسهل عليه أن يصدر أحكامًا للناس.
وأضاف فضيلته: لكن الذي ينتقل إلى بلاد معينة ويرى كيف يمكن دخول المطارات وكيف يمكن الخروج منها، وكيف يمكن الركوب في القطار أو التجول في السوق أو في المستشفى في مجتمعات غير مسلمة يشعر بحجم الصعوبة والمشقة التي تلقى أي مسلمة تلتزم بتغطية الوجه.
ليست فتوى
وأردف الدكتور العودة: إنني لا أريد أن أقول بمنع تغطية الوجه لسبب أنه يجب أن تحترم الآراء الأخرى، ولقد وجدت أن كثيرًا من النساء اللاتي تعودن على تغطية الوجه حتى لو احتاجت أن تكشف وجهها لطبيب أو غيره تجد في ذلك حرجًا وعسرًا ومشقة لأنها لم تتعود عليه وتشعر بغرابة، فلذلك أعتقد أن فتح الباب أو جعل الأمر فيه سعة هو المناسب للناس من حيث الجملة.
وأكد فضيلته أن ما نصدره في هذا البرنامج ليس عبارة عن فتوى، ولكنه في الواقع عبارة عن أسئلة تفرض نفسها، فنحن لم نتعمد أن نبدأ بهذا، بل إنني لا أتحمس كثيرًا لمثل هذه المسائل لأنها بقدر ما هي مسائل فرعية، بقدر ما تثير أحيانًا الجدل حولها من أناس ربما لا يعنيهم الأمر، فالناس الذين يهمهم الموضوع قد لا يكونون حاضرين دائمًا في الجدل، ولكن الجدل ربما يكون مع أناس لا يعنيهم الموضوع لكنهم يعالجونه من خلال الإنترنت أو بعض المواقع أو وجه نظر علمية خاصة.
ليس سلبيًا
وفيما يتعلق بأن حديث الشيخ وضرب المثل بقيادة السعوديين للسيارات أغضب البعض ممن رأوا أنه مثال سلبي، قال الشيخ سلمان: إنني لا أعتبر أنه سلبي، ولا أرى أنه خانني التعبير لأني قصدت هذا المثال الذي أقوله وتعمدته، كما أنني لا أرى أن هناك مجال للحديث بشكل خاص، ولكن الأمر على العكس، فإذا كان الأخ المعترض يقول إن هذا يسيء للسعوديين في شاشة عالمية، فأعتقد أن هذا لا يسيء، فالعالم كله ينتقد بعضه بعضًا، فالشعوب الواعية والراقية هي التي تناقش أخطاءها وعيوبها على الهواء وبأريحية دون أن تشعر بأنها تفقد توازنها خلال هذا النقاش.
وضرب فضيلته مثالاً لذلك، بطرفة، قائلًا: هناك فيلسوف أمريكي ربما يميل إلى اليسارية من أصحاب ناعوم تشومسكي اسمه "زن" ينتقد الديمقراطية المنقوصة في أمريكا ويعلن الحرب على الحروب الأمريكية التي تدار حول العالم، فتقوم عليه حملات، وذات مرة كان في مدرسة ابتدائية وسأله أحد الطلاب وقال: هل صحيح أنك لا تحب أمريكا؟ أي: هكذا صوروه إعلاميًا. فقال: أما بالنسبة للشعب الأمريكي فأنا واحد منه وأحبه جدًا أما بالنسبة للإدارة الأمريكية والسياسة الأمريكية فلست متأكدًا أنني أحبها وأحب الحروب التي تقوم بها حول العالم.
عالية.. ولبس البشت
وذكر الأستاذ أحمد الفهيد، والذي يمثل نبض الجمهور، أن صحيفة عكاظ بادرت بالحديث مع عالية شومان والتي استضافها تقرير حلقة الأربعاء من برنامج "حجر الزاوية" ودعتها إلى الاستكتاب فيها كدعم منها لهذه الفتاة التي تملك قلمًا جيدًا، لافتًا إلى أن هناك من علق على ظهور الشيخ سلمان أمس بغير البشت، ويتساءلون هل هذا جزء من التغيير؟، فقال الشيخ سلمان: لقد أتيت بالبشت معي أمس وشاورتكم، وأنا أميل إلى عدم لبسه، فقلتم: إن الاستديو فيه حميمية، وهذه من الأشياء التي فيها الليونة.
أصول.. وفروع
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إنها تعيش في أمريكا، حيث هناك من المسلمات من تغطي وجهها، ومنهن من تغطي شعرها، ومنهن من هي غير محجبة تمامًا، فكيف ترد على الأجانب حينما يسألونها عن التوفيق بين ذلك، قال الشيخ سلمان: إننا نحتاج إلى أن ننبه أولئك الناس إلى أن الإسلام له أصول وله فروع، كما أن فيه كليات وجزئيات، وفيه أركان أساسية وواجبات فرعية، فالمسلم يظل مسلمًا حتى لو ارتكب بعض المخالفات أو بعض الذنوب، كما أن هناك درجات، فهناك الإحسان والإيمان والإسلام.
وأضاف فضيلته أن الإنسان لا يقول عن نفسه أنه محسن، فهذه مرتبة عند الله -سبحانه وتعالى- أعلم بها ولكنها درجات عند الناس، يقول تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر:32)، مشيرًا إلى أن الواجب على المسلمة أن تستر شعرها وما أمر الله تعالى بستره حتى لو كانت في تلك المجتمعات، فلاشك أن المسلمة التي تكشف شعرها مفرطة ومقصرة عند جميع الفقهاء.
معاهدة على التوبة
وردًّا على سؤال من مشاركة، تقول: هل لي توبة بعد أن عاهدت الله في مكة وعند باب الكعبة على ألا أعود إلى الزنا وعدت إليه، قال الشيخ سلمان: إنه لاشك أن باب التوبة مفتوح، ولكن كثيرًا من الناس يلجئون إلى المعاهدة في أمور صغيرة أو في أمور كبيرة، حيث يصبح الذنب أعظم، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (التوبة:76،75)، ويقول أيضًا: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ)(النور: من الآية53)، فالمعاهدة أو الإقسام ربما يترتب عليه إثم أعظم لأنه ارتكب الإثم وأيضًا غدر بهذا العهد والميثاق الذي قطعه مع ربه، وإن كان ناويًا في وقت العهد ألا يفعل.
وأضاف فضيلته أنه على الإنسان أن يتوب من الذنب ولو وقع فيه عدة مرات ويستغفر الله -سبحانه وتعالى- والله يغفر الذنوب جميعًا، ويغفر ما دون الشرك لمن تاب وأناب كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ)(الفرقان: من الآية68) لافتًا إلى أن ذكر الزنا مما يدل على عظمِه وشناعته أنه قُرن بالشرك وبقتل النفس ثم قال: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (الفرقان:69،68).
ليس محسومًا
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إن الرسول ذكر أن ما يظهر من المرأة هو الوجه والكفان، وبالتالي يصبح النقاب حرية شخصية، قال الشيخ سلمان:
لقد استشهدت بالحديث حديث أسماء: «يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا»، وهذا الحديث فيه نظر وكلام للعلماء ما بين مصحح ومضعف، وعلى ذلك فإن الأمر ليس محسومًا أو أنه لا خلاف فيه، فهناك خلاف فقهي بين الصحابة وخلاف فقهي بين الأئمة معروف، كما أن المسألة فيها تنوع وفيها سعة.
وأضاف فضيلته: إنني أرى أنه في البلاد التي فيها قوانين صارمة تمنع من النقاب، فإنه على المسلمة ألا تعرّض نفسها للخطر والضرر والمساءلة وتحمل أشياء صعبة، فإنه وإن كان المسلمون هناك من حقهم أن يطالبوا بحقوقهم المدنية التي يكفلها لهم الدستور، فإن الفرد المسلم عليه أن يكون قدوة حسنة والأشياء التي عنده فيها خيارات شرعية لا بأس أن يراعي هذه الخيارات.
إغماض العين في الصلاة
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إنها تغمض عينيها في صلاة التراويح حتى تشعر بالتركيز؟، قال الشيخ سلمان: إن إغماض العينين ليس فيه فيما أعلم نص صحيح ثابت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك الراجح أنه إذا كان إغماض العينين أدعى للخشوع فلا بأس أن يغمض الإنسان عينه في الصلاة سواء قراءة الإمام أو غير ذلك.
وأضاف فضيلته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أن صلاة المرأة في بيتها أو في أقصى بيتها خير لها، بل هناك حديث عند ابن خزيمة يدل على مشروعية الصلاة في المكان المظلم، وهذا قد يؤخذ منه أن إغماض العين لا بأس به.
بصيص أمل
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: إنني ليبرالي واقتربت من الإلحاد كثيرًا بعد أن توصلت إلى قناعة بأن الدين لا يمكنه أن يتعايش مع العصر إلا أن برنامجكم منحني بعض الأمل في أن الدين ممكن أن يعيد صياغة نفسه، قال الشيخ سلمان: إن الشجاعة ليست أن تقول كل ما تعتقد لكن الشجاعة أن تعتقد كل ما تقول.




2 التعليقات:

مدونه العبور يقول...

مدونه رائعه وموضوع رائع

Ahmed S Ahmed يقول...

أشكرك على إبداء إعجابك بالمدونة اخي الكريم ..

:: ترتيب المدونة عالميــاً ::

RSSMicro FeedRank Results