تابعنا :

Ads 468x60px

الأحد، 5 سبتمبر 2010

التغيير لا يعني الجور على المبادئ الأساسية والأسس الجوهرية ..

أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن أبرز معاني التغيير هو الحرص على الثوابت الأساسية الجوهرية وليس الثوابت الشكلية أو الجزئية أو الفرعية التي قد نختلف ونتطاحن ونتقاتل حولها.
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة الأربعاء من برنامج "حجر الزاوية"، والذي يبث على فضائيةmbc ، والتي جاءت تحت عنوان "لماذا؟" ـ: إن هناك أناسًا ربما يجور التغيير عندهم على الأسس والمبادئ، مشيرًا إلى أن هؤلاء سيكونون في مهب الريح، مشيرًا إلى أنه من الجميل أن تكون البداية في هذا الشهر الكريم تكرس معنى من المعاني التي ينطلق منها التغيير وهو الثابت المتعلق بمحبة الله -سبحانه وتعالى-.


ثوابت جوهرية
وأوضح الدكتور العودة: لقد قرأت الكثير (حوالي مائة وأربعين كتابًا، وعشرات الآلاف من العناوين من الإنترنت)، كما كتبت الكثير حول التغيير، وكنت أسأل نفسي: ماذا لو سئلت عن أهم شيء توصلت إليه فيما يتعلق بالتغيير، لافتًا إلى أن أهم شيء هو ضرورة الحرص على الثوابت الأساسية الجوهرية.
وتابع فضيلته: إنه يندرج تحت هذه الثوابت، تلك الثوابت الأصلية المتعلقة بتعظيم الله، ومحبته، وبالإيمان به، وعبادته من خلال الأركان المعروفة، والثوابت المتعلقة بالقرآن الكريم باعتباره كتاب الحياة وكتاب التغيير، مشيرًا إلى أن رمضان يمنحنا مثل هذا المعنى الضخم العظيم.
وصفات جاهزة؟!!
ونبه الشيخ سلمان إلى أن من أهم المزالق في التغيير ما يسمى بـ"الوصفات الجاهزة"، والتي قد يعطيها ليبرالي أو إسلامي أو سياسي للناس على أنها هي الحل، مذكرًا بطرفة، قائلًا: لقد اتصل بي أخ متحمس من إحدى الدول الأوربية وكان مُصرًّا وأرسل بالإيميل وبعدما صار بيني وبينه الاتصال، قال: يا شيخ، لقد وجدتها، وكأنه وجد كنزًا أو اكتشافًا، فقال: نحن نطول ونعرض، في حين أن هناك حلًا بسيطًا لا يحتاج كل هذا الكلام.
وتابع فضيلته أن عادة مثل هذه الأصوات أن يشك الإنسان فيها لكن مع ذلك سمعته، فوجدته قال: إننا إن أقنعنا الناس كلهم أن يقوموا بمقاطعة الشر والفساد، فيكون قد انتهى كل شيء !، فقلت: إن هؤلاء الناس هم الذين يصنعون جزءًا من الأمر الذي تسميه فسادًا أو شرًا فكيف تكون المقاطعة.
التغيير.. لماذا؟!!
وردًّا على سؤال، يقول: لماذا اختار حجر الزاوية التغيير عنوانًا له في هذا الشهر؟، قال الشيخ سلمان: إن اختيار موضوع "التغيير"، يرجع إلى أن الحديث عن المشكلات والأزمات هو حديث طاغٍ، فلا تكاد تجد مجلسًا خاصًا أو عامًا أو تتصفح موقعًا إلكترونيًا أو لقاءً بين اثنين يلتقيان أو يركبان في سيارة إلا وتجد الحديث عن نقد الواقع مهيمنًا عليهم، مشيرًا إلى أنه وإن كما أن الإنسان كائن متذمر، إلا أن هناك أحوالًا وأوضاعً بحاجة إلى تغيير ولم يجر عليها التغيير، فالناس يتحدثون كثيرًا عن النقد؛ سواء فيما يتعلق بالأوضاع السياسية، أو الأوضاع الاقتصادية وتفاوت الناس فيما بينهم، أو نقد للأوضاع الاجتماعية.
وأضاف فضيلته: أن هذا النقد قد يكون من خلال: الحديث، سواء حديث الزوج إلى أصدقائه أو حديث الزوجة إلى صديقاتها، أو النكتة، وكيف تكون تعبيرًا عن رفض لواقع اجتماعي أو سياسي أو حتى زوجي، لافتًا إلى أن هذا الحديث المستفيض عن النقد لا يواكبه حديث إيجابي عن التغيير وآلية التغيير وكيف يمكن أن نقوم نحن بمحاولة التغيير أو الإصلاح أو الاقتراب من الزاوية التي نحن نبحث عنها.
تغيير متسارع
وأردف الدكتور العودة: أن أهمية الحديث عن التغيير ترجع أيضًا إلى أننا نعيش في عالم متغير تغييرًا متسارعًا، ففي العصور الماضية كانت الثورات تستغرق أحيانًا مئات السنين، ففي خلال سبعة آلاف سنة مضت مما يسمونه بتاريخ أو عمر الحضارة، فإن الإنسان يمر بألف سنة أو أكثر دون أن يكون هناك تغير مرصود وواضح في الحياة الإنسانية.
وتابع فضيلته: لكن في العصور المتأخرة، خاصة في هذا الوقت الذي نعيشه بالذات أصبحت المتغيرات والثورات تظهر ربما بشكل سنوي، فقبل عام كنا نتحدث عن موضوع باعتباره موضوع الساعة، ولكن الآن إذا تكلمنا عن هذا الموضوع، فإنه سيكون نوعًا من اجترار الماضي، وذلك لأنه طرأت ثورات تقنية ونفسية مستجدة.
مفهوم التغيير
وفيما يتعلق بمفهوم "التغيير"، قال الشيخ سلمان: إننا نتحدث عن التغيير الإيجابي، وذلك من خلال قراءة الصورة الجميلة، وذلك لأن الذين يتكلمون عن نقد الواقع، ويعيشون حالة من التعاسة، يتحدثون عن التغيير أيضًا ولكن من منطلق سلبي لأنهم يشعرون دائمًا أنهم ضحية مؤامرة قاسية لا ترحم، سواء كان ذلك يتعلق بأوضاع قدرية تحدث مثلما نشاهده اليوم من حالات الفيضانات والزلازل مثل ما يجري في باكستان الآن أو غيرها، أو كانت أشياء مقصودة من فعل البشر أنفسهم.
وأضاف فضيلته: أن التغيير يجب أن يكون صوت الإيجابية والتفاؤل والأمل، فالتغيير هو نبض الحياة، كما أننا نتغير لأننا أحياء، فالبقاء ليس للأقوى كما يقولون، كما أنه ليس للأذكى، ولكن البقاء للأكثر قدرة على التغيير الإيجابي، فنحن يجب أن نغير أنفسنا، وكما يقول العرب: "بيدي لا بيد عمرو".
تغيير إيجابي
وأوضح الدكتور العودة: أن التغيير هو عبارة عن انتقال من حالة إلى حالة أو من واقع إلى رؤية، أو من واقع إلى واقع أفضل منه، وبناءً عليه فإن التغيير سيكون عبارة عن شيء نحن نحاوله، وأن تكون لدينا خطة قمنا برسمها ووضع تفاصيلها ثم بدأ الناس حاكمًا ومحكومًا ورجال الفكر والعلم يتجهون إلى هذه الخطة وينتقلون إليها.
واستطرد فضيلته: أن مثل هذا يسمى تغييرًا إيجابيًا، وذلك لأن الناس انتقلوا إلى وضع جيد يبحثون عنه ويريدونه، لكي يعالجون فيه الأخطاء الموجودة عندهم، مشيرًا إلى أن هناك ما هو أوسع من هذا المصطلح وهو كلمة التغيير التي نستخدمها عادة وقد تطلق على أي تغيير يحدث سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا يمكن أن يقع للناس.
تغيير.. وتغير.. وتطوير
وفرق الشيخ سلمان بين "التغيير"، "التغير"، و"التطوير"، موضحًا أن التغيير هو شيء مخطط ومدروس، أما التغيّر فكأنه شيء قسري أو حتمي يقع دون إرادة من الإنسان، في حين أن "التطوير" أو "النمو" هو عبارة عن زيادة، وعلى سبيل المثال، فإننا نقول: إن عدد المستشفيات في هذا البلد أو حتى عدد السكان في بلد ما زاد أو تطور أو نما، لافتًا إلى أن هذا يشير إلى أن هناك زيادة طبيعية في أشياء عديدة مع الوقت، لكن هناك تغيير هو عبارة عن انتقال وأحيانًا فيه قدر من النقلة من شيء إلى شيء.
وتابع فضيلته: ولذلك نحن نعبر عن الزواج بأنه تغيير في الحياة، كذلك حينما نعبر عن انتقال مجتمع من كونه مجتمعًا متخلفًا يعيش فيما يسمى بمرحلة العالم الثالث أو التخلف إلى مستوى أفضل، مشيرًا إلى أن مثل هذه الدول التي تصنف على أنها من دول العالم الثالث تعيش حالة من المعاناة، وبالتالي فهي في حاجة إلى التغيير.
التغيير مقابل الجمود
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن التغيير هو سنة الله عز وجل، ولكن كيف يمكن استلهام أنه في التغيير يحدث الخلل، قال الشيخ سلمان: إن مقابل التغيير هو الجمود، فنحن حينما نغفل عن التغيير تنتقل إلى مرحلة الجمود، والذي هو ليس شيئًا إيجابيًا، ولذلك يقولون في المثل: "إن العالم متردد والجاهل متأكد"، حيث تجد أن الجهّال يجزمون ويقطعون بكثير من الآراء ويهجمون على أي أمر ويبدون فيه رأيًا وهذا الرأي عندهم أحيانًا لا يقبل الجدل، بينما العالم ربما يتردد لأن عنده أدلة ومعرفة واطلاعًا.
وأضاف فضيلته: ولذلك يقولون إن العلم ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: تورث الكبر، وذلك أن الإنسان يشعر أن لديه معلومات وأنه حصل عليها.
الدرجة الثانية: تورث التواضع، وذلك لأن الإنسان قد اطلع على ما عند الآخرين وتواضع وأدرك أنه لم يعرف إلا قليلًا كما قيل:
فَقُل لِمَن يَدَّعي في العِلمِ مَعرِفةً حَفِظتَ شَيئًا وَغابَت عَنكَ أَشياءُ
الدرجة الثالثة: الشعور المفرط بالجهل، والذي من الممكن أن نعبر عنه بدرجة الفناء، ومن ذلك أن يشعر الإنسان بأن ما عنده ليس إلا قطرة من بحر.
سنة إلهية
وضرب الدكتور العودة، مثالًا لذلك، قائلًا: إن الخضر وموسى -عليهما الصلاة والسلام- عندما وجدا عصفورًا ينقر في البحر فقال: "ما علمي وعلمك إلى جوار علم الله -تبارك وتعالى- إلا كما ينقر هذا العصفور من البحر"، ولذلك فإن العلم هو الذي يكون قرينًا للتغيير والتحسين، بينما الخرافة جامدة، وذلك لأنها عبارة عن أسطورة يتم نقلها كما هي من دون أي تعديل.
وتابع فضيلته: أن العلم يدل على أن التغيير هو سنة إلهية بُني عليها الكون كله، وأن الله -سبحانه وتعالى- هو المتفرد بالبقاء، وكما يقول ابن القيم أن الله هو الحيّ الدائم الذي لا يتغير، أما المخلوقات فمن شأنها أن تتغير، ولذلك فإننا من الممكن أن ننظر إلى التغيير على أنه آية من آيات الله -سبحانه وتعالى-، وأنه الفرق بين الخالق والمخلوق.
أكثر انتفاعًا
وأردف الشيخ سلمان أن السموات والأرض متغيران، يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)(الأنبياء: من الآية30)، فقوله تعالى (كَانَتَا رَتْقًا) هذا في الماضي، ثم فتقها، فالله -سبحانه وتعالى- فتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات، أو بأي معنى آخر من المعاني التي يقول بها العلماء، لافتًا إلى أن هذا يوحي بأن كثيرًا من الأشياء ما دامت مغلقة لا يستفاد منها فإذا فُتقت أصبحت أكثر مجالًا للانتفاع بها في الحياة.
وأشار فضيلته: إلى أن ذلك ينطبق على الفكر أيضًا، فعندما يكون فكر الإنسان كما خلق، دون أن يتعرض هذا الفكر للعمل والاستخدام والرياح التي تؤثر فيه، فإنه لا يستفاد منه؛ ولذلك يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-في أبيات مشهورة:
سافِر تَجِد عِوَضًا عَمَّن تُفارِقُهُ وَاِنصَب فَإِنَّ لَذيذَ العَيشِ في النَصَبِ
إِنّي رَأَيتُ وُقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ إِن ساحَ طابَ وَإِن لَم يَجرِ لَم يَطِبِ
وَالأُسدُ لَولا فِراقُ الأَرضِ مااِفتَرَسَت وَالسَهمُ لَولا فِراقُ القَوسِ لَم يُصِبِ
وَالتِبرُ كَالتُربِ مُلقىً في أَماكِنِهِ وَالعودُ في أَرضِهِ نَوعٌ مِنَ الحَطَبِ
تغيير هائل
وذكر الدكتور العودة: أن هذه الأبيات تشير إلى أن الأشياء في أصلها ووضعها الطبيعي أو الفطري الأصلي ربما لا ينتفع بها، بينما إذا أمكن فتق العقل بالتفكير، وفتق القلب بالحب، وفتق الحياة بالتجربة، فإنه يبدأ التغيير الحقيقي، وهذا ينطبق على السماوات والأرض والشمس والقمر كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يّـس:40)، كذلك المشارق والمغارب، يقول تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ) (المعارج:40).
ولفت فضيلته: إلى أن هذا التغيير الهائل في الكون، من ولادة نجوم جديدة وهلاك نجوم قديمة، فضلًا عن أن هذه النجوم التي نراها فيها الشيخ الهرم والشاب الفتي والصبي الصغير، بل إن العلماء يقولون إن هناك نجومًا ضخمة كالحيتان تلتهم النجوم الصغيرة وتذوب فيها، وهذا يوضح أن هناك حركة لجبة في هذا الكون، فالنبات تنظر إليه وهو يرمي أوراقه القديمة ويجدد أغصانه وخضرته، بل إن العلماء يؤكدون أن خلايا الإنسان، والتي تقدر بتريلونات، تتغير باستمرار، بحيث إنها ترمي الخلايا الميتة وتحيي الخلايا الجديدة، وخلال فترة وجيزة تكون جميع خلايا الإنسان تغيرت وتبدلت إلا الخلايا التي من طابعها الثبات مثل الخلايا العصبية وخلايا المخ.
شريعة التغيير
وأوضح الشيح سلمان: أننا إذا نظرنا إلى التاريخ، سنجد أن القرآن الكريم ذكر لنا ما يتعلق بالكون، وتاريخ الأمم التي سادت ثم بادت أو ما يسمى بـــ"التغير السنني"، يقول تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)(آل عمران: من الآية140)، فأمم وحضارات وشعوب وقوى ضخمة تغيرت، حتى إن الإنسان يستغرب أحيانًا كيف ذلك ومن الذي قدر عليها؟، ولكنها قدرة الله -سبحانه وتعالى.
ونبه فضيلته إلى أن الشريعة الإسلامية هي شريعة التغيير، مشيرًا إلى أنه يوجد في القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك؛ ولذلك فإن المسلمين يؤمنون بالنسخ، يقول تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)(البقرة: من الآية106)، فالنسخ هنا هو تغيير لحكم بحكم آخر، كذلك عندما غيّر الله تعالى القبلة إلى الكعبة وأمر المسلمين أن يستقبلوا الكعبة بدلًا من بيت المقدس، فقال السفهاء من الناس كما سماهم الله: (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا)، حيث قال -سبحانه وتعالى-: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة: من الآية142).
الاجتهاد.. تغيير
وأشار الشيخ سلمان إلى أن البعض قد يقف عند قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)(البقرة: من الآية106)، ويتساءل، قائلًا: لماذا جاء بآية مثلها؟ ولماذا لم تبقَ الآية الأولى؟، كما قد يقول قائل: إذا كانت الكعبة هي القبلة الصحيحة، فلماذا لم يتوجه الناس إليها ابتداءً، وإذا لم تكن صحيحة فلماذا توجه الناس إليها؟
وأوضح فضيلته أن الجواب على ذلك كله جاء في قوله تعالى: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(البقرة: من الآية142)، وهذا يشير إلى أن الأمر هو عبودية لله -سبحانه وتعالى-، يقول جل وعلا: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)(القصص: من الآية68)، كذلك الاجتهاد، وأن البشر لا يسعهم رأي واحد أو اجتهاد واحد، ولذلك وجدت المذاهب الفقهية والآراء وكان من سنة الله تعالى في الحياة أن يقع الكثير من التغيير وهو تغيير في اجتهاد الناس.
ظلوم جهول
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن الكون كله هو كتاب سنة التغيير، ولكن المشكلة تكمن في استلهامنا لهذه السننية ليس إلا، قال الشيخ سلمان: هذا صحيح، لأن المدار في السننية هو تغيرات الكون، وهو شيء من عند الله -سبحانه وتعالى- لكن المدار على ما يتعلق بتغير الإنسان نفسه، فالإنسان مجبول على التغيّر، حيث نجد في جزء من السننية أن الإنسان نفسه يمل، وعلى سبيل المثال، يقول تعالى: (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ)(البقرة: من الآية61).
وأضاف فضيلته أن هؤلاء كان عندهم عسل وألوان من المن والسلوى ومع ذلك يطلبون البصل والكرات، يقول تعالى: (يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)(البقرة: من الآية61)، كما أن الإنسان كما وصفه ربه "ظلوم جهول"، ولذلك فهو بحاجة إلى التجربة وأحيانًا التعلم بالمحاولة والخطأ.
تجربة عملية
وذكر الدكتور العودة أن كل إنسان عنده طبيعة وتكوين، ولذلك فإن البعض منهم لا يقتنع عندما تحذره من الوقوع في خطأ، فقد لا يفلح الكلام في إقناع هذا الإنسان، وذلك لأنه لم يذق مرارة المعاناة، ولم يكتوِ بنار الفشل أو الإخفاق.
وضرب فضيلته، مثالًا لذلك، قائلًا: لقد قلت ذات مرة لأحدهم: إن هذا المكان فيه لصوص، فلم يقتنع وأصر على أن يذهب إلى هذا المكان وجلس فأخذوا مما معه وهددوه وآذوه وازدروه، فرجع يجر أذيال الندم والخيبة وقال لي: لقد سمعت نصيحتك لكني أحببت أن أجرب بنفسي، مؤكدًا أن ما حدث معه تأثيره أكثر بكثير من تأثير الكلام أو التحذير، فهو صدّق الكلام، ولكنه قام بتجربة عملية ميدانية لن ينسها ومهما وجد من الإغراءات، فإنه لن يعود إلى هذا المكان.
صيرورة حتمية
وردًّا على سؤال، يقول: هل الصيرورة إلى التغيير حتمية؟، قال الشيخ سلمان: هذا صحيح، فهناك مثل ينسب إلى الفيلسوف هيروقليطس يقول: إن الإنسان لا ينغمس في النهر الواحد مرتين، حيث يشير إلى أن الدفقة التي ينغمس فيها الإنسان الآن، هي غير الدفقة التي انغمس فيها قبل ساعة مثلًا، لافتًا إلى أنهم يطلقون على هيروقليطس"فيلسوف الصيرورة"، موضحًا أنه من أشهر الأشياء التي يقولها: أن كل شيء في الكون متغير إلا التغيير ذاته فهو الثابت الوحيد.
وأضاف فضيلته: لقد وجدت تعليقًا شرعيًا على كلتا المسألتين، وهو: أن الصيرورة من حيث الجملة صحيحة، فالتغيير ليس مرتبًا ومقصودًا يبدأ من وينتهي إلى، ولكنه نوع من السنة أو الطبيعة البشرية التي تتخلل الفراغات وتؤثر في الحياة البشرية، ولذلك فإن الجسم البشري له نهاية وجسم الدولة له نهاية وجسم الأمم له نهاية (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ)(الأعراف: من الآية34)، فالمقصود بالصيرورة هو قدر منها معقول.
إنسان متجدد
وأردف الدكتور العودة: لكن فيما يتعلق بالنهر الواحد، فإن (الإنسان لا ينغمس في النهر الواحد مرتين)، ولقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه عن اغتسال الإنسان من الجنابة في الماء الدائم الذي لا يجري، كما نهى أن يغتسل الإنسان فيه من الجنابة لأن هذا الماء بحكم ديمومته لا يستطيع أن يطرد الإنسان عن نفسه القذر والأذى بخلاف المياه الجارية فإنها سريعًا ما تتغير وتتجدد.
وتابع فضيلته: أن الإنسان المتجدد في فكره وسلوكه يستطيع أن يطرد كثيرًا من المؤثرات السلبية حتى لو كانت مؤثرات في شخصه، فقد يكون عنده عيب سري خفي لا يعلمه إلا الله، وهو متذمر من هذا العيب، ولكن بدلًا من مجرد الوقوف عنده هذا التغيير المستمر والتجديد في حياته حجّم هذا العيب، كذلك قوله: "إن الثابت الوحيد في الحياة هو التغيير".
صياغة شرعية
وأوضح الشيخ سلمان أننا لدينا صياغة شرعية وهي: أن الاجتهاد الشرعي هو أساس المتغيرات وأهم الثوابت، فإن المتغيرات وخصوصًا الشرعية أو المتغيرات التي لها حكم شرعي هي نتيجة اجتهاد الفقهاء والعلماء، وهذا فيه كلام كثير، كما أن التغيير جزء منه هو إحلال، حيث تحل بعض القيم محل الأخرى، وعلى سبيل المثال، فإن قيمة الإيثار تحل محل قيمة الأنانية والعدوانية والأثرة عند الإنسان أو قيمة العدل الذي هو مطلب إنساني تحل محل قيمة الظلم والبغي.
ولفت فضيلته: إلى أن التغيير قد يكون أحيانًا ليس إحلالًا وإنما هو -إن صح التعبير- تركيب، وذلك مثلما يتعلق بالمصلحة العامة والمصلحة الخاصة، فكثير من الناس ربما مصلحته الخاصة مقدمة ويقول: (إِذا مِتَّ ظَمآنًا فَلا نَزَلَ القَطرُ)، بينما المفروض أن المصلحة العامة التي يستفيد منها الآلاف من الناس تكون مقدمة على المصلحة الشخصية أو الخاصة.
مَن يُغيّر مَن؟
وردًّا على سؤال، يقول: مَن يُغيّر مَن؟ وهل لابد للتغيير من فاعل وطرف آخر مستفيد من ذلك؟ أم أن السننية تقتضي تغييرًا صيروريًا بدون أن يشعر الإنسان بفعل، قال الشيخ سلمان: هناك تغيير طويل مثل أوربا وانتقالها من مرحلة الإقطاعية إلى مرحلة الرأسمالية والنهضة، وهذا استغرق مئات السنين، كما أن هناك تغييرات سريعة، وذلك مثل تجربة اليابان أو الصين أو الهند.
وأضاف فضيلته أن التغيير ليس مهمة فرد ولا يطيقه فرد، فليس هناك من أحد يغير الكون كله، لافتًا إلى أنه يوجد كتاب اسمه "البجعة السوداء" يشير إلى أن هناك أشياء كثيرة تقع على خلاف ما يتوقعه الناس، وذلك مثل: تسونامي أو أحداث سبتمبر أو غيرها، فمن الذي كان يمكن أن يتوقع مثل هذه الأشياء.
مبالغة.. وتراكم
وأوضح الدكتور العودة أن هذا الكتاب يحاول أن يقول إنه من خلال حياة الإنسان توجد أشياء كثيرة لم يخطط لها ومع ذلك وجد نفسه فيها، وهذا يشير إلى أن عملية التغيير تتم، ولكن من المبالغة أن يتصور الإنسان أنه هو الذي يحدث التغيير، حتى أولئك الناس الذين يملكون المال أو السلطة أو الفكر، فهم يُحدثون قدرًا معتدلًا معقولًا من التغيير، كما أن هناك غيرهم يُحدث تغييرًا.
وتابع فضيلته أن التغيير هو عبارة عن تراكم، فهو أشبه باللوحة التي يتم رسمها لكن الرسام البشري ليس واحدًا، وإنما مجموعة رسامين يتوافرون على صياغتها وإعدادها، فليس ما يراه الإنسان في هذه اللوحة هو ما قام برسمه وإنما هو مزيج أو خليط أو تراكم مما يفكر فيه هذا الإنسان، وفكر فيه أحيانًا أناس على النقيض منه، كما فكر فيه أناس بشكل مختلف، والتغيير يكون بمجموع هذه الأشياء.
عالية شامان.. ونموذج رائع
وتعقيبًا على تقرير الحلقة، والذي كان عبارة عن لقاء مع الأستاذة عالية شمان وهي معاقة، ولكنها قدمت نموذجًا رائعًا للتغيير، حيث قامت بتأليف ثلاث روايات على الرغم مما تعاني منه، قال الشيخ سلمان: إننا نبعث لها التحية في هذا المساء المبارك، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يكون معها، ويشد أزرها، ويسدد خطاها، ودائمًا من نجاح إلى نجاح ومن تفوق إلى تفوق، مشيرًا إلى أنه في كثير من الأحيان تكون حالات الإعاقة هي أكبر درس وأكبر تحفيز للقادرين.
وضرب فضيلته، مثالًا لذلك، قائلًا: إن ذلك الرجل الذي كان يمشي في الشارع حافيًا ويتساءل: لماذا هو حافي القدمين؟ ومرّ في الطريق فوجد رجلًا بلا قدمين، فقال: شكرًا يا رب، وأدرك كم حجم النعمة العظيمة.
إعاقة نفسية
وأوضح الدكتور العودة أن الإعاقة ليست دائمًا هي فقط إعاقة الجسد، ولكن هناك إعاقة الروح، وإعاقة الهمة، وهي الأخطر، مشيرًا إلى أنه حينما توجد عند الإنسان إرادة قوية وهمة عالية، فإنه يستطيع أن يوظف قدراته وإمكانياته، وهذا ما حدث للأخت عالية، والتي استخدمت أصبعًا واحدًا لتقرأ ولتكتب وتبدع وتتفوق ويكون عندها مثل هذه الطموحات الكبيرة.
وتابع فضيلته أنه في كثير من الأحيان تكون الإعاقة النفسية والروحية هي التي يجب أن تطارد أكثر، وأن نقف كثيرًا عند الذين يبتلون بها، والذين هم ربما يملكون كل الطاقات لكنهم يفقدون الروح المشتعلة التي تجعلهم يقدّمون ما لديهم ويتجاوزون العقبات الوهمية التي يفترضونها أمامهم، لافتًا إلى أن هناك قدرًا هائلًا من الأعذار، فالإنسان كائن اعتذاري في حالات كثيرة خاصة فيما يخصه هو، لكن الآخرون قد لا يعتذر لهم، ولكن تجربة عالية شمان تقطع جميع الأعذار وبشكل عملي، حيث رحب فضيلته بكل الحالات المشابهة التي يمكن يكون هناك تواصل معها من خلال هذا المنبر الإعلامي.
تركي الدخيل.. وصناعة النفس
وفي مداخلة له مع البرنامج، أثنى الإعلامي السعودي تركي الدخيل، على برنامج "حجر الزاوية"، وعلى الموضوع الذي تدور حوله حلقات البرنامج هذا العام، وهو "التغيير"، مشيرًا إلى أن هرقليطس الذي قال إن الإنسان لا يمر في الماء مرتين، يشير إلى أن الماء دائمًا في حركة ولذلك فإن الماء الذي يمرك الحين لا يأتيك بعد فترة، وكذلك فإن الإنسان يتغير فإذا مر مرة أخرى في النهر، فهو قد تغير بدورته الدموية، وأفكاره، وحياته، ولذلك فإن الكثير من الناس يحاول أن يعيد بعض الذكريات التي كانت جميلة، لكنه لا يجد أن هذه التجربة تتكرر وذلك لأن التغيير هو عنصر الحياة الرئيس.
وأضاف الدخيل أن أحد المفكرين يقول: إن الحياة ليست قيمتها أن تجد نفسك فيها بل قيمة الحياة أن تصنع نفسك فيها، وهذا يؤكد أن صناعة النفس في هذه الحياة هي شكل من أشكال التغيير بطبيعة الحال، وعلى سبيل المثال، فقد مررنا في المملكة بأزمة قريبة، وهي أزمة إيقاف خدمة البلاك بيري في السعودية وفي الإمارات، فقد تعلمت من الشيخ سلمان الله أن الإنسان ينظر إلى إمكانية وجود جهاز جديد قد يكون أفضل خدمة من البلاك بيري، فما لا نستطيع أن نغيره نحن بأنفسنا علينا ألا نحزن عليه، موضحًا أن الإنسان عليه ألا يتألم بسبب أزمة معينة، ولكن عليه أن يحاول أن ينتقل، حيث قد يجد في الأمر الذي ينتقل إليه في التغيير خيرًا لم يكن يعتقد أنه سوف يناله، لافتًا إلى أن كتاب البجعة السوداء لمؤلف اسمه نسيم طالب.
"حجر الزاوية".. في رسالة ماجستير
ثم تحدث الدخيل عن برنامج "حجر الزاوية"، مشيرًا إلى أنه يقوم بإعداد رسالة ماجستير على هذا البرنامج الذي يتصل بكل الجوانب الروحية والعلمية والفكرية، حيث أوشك على الانتهاء منها، موضحًا أنه واحد من الملايين الذين تأثروا بهذا البرنامج وتغيروا به، لافتًا إلى أنه من خلال دراسته لمواضيع البرنامج كان يشهد بشكل واضح ملامح التغيير عند أطروحات الشيخ من عام إلى آخر ومن حلقة إلى أخرى.
وتابع أنه لا يعتبر هذا سبة ولا عيبًا بل إنه دلالة على أن الإنسان متطور، ولكن مشكلتنا أننا نخلط بين الثبات على ما يجب أن نثبت عليه وما بين التغيير الذي يجب أن يكون ديدن معظم الأشياء، وإلا فكيف سنتعرف على أشياء جديدة في هذه الحياة دون أن نتغير.
كنز.. وتحدٍّ
وتعقيبًا على هذه المداخلة، قال الشيخ سلمان: إن الأستاذ تركي هو صديقي بكل تأكيد، وأنا أحمل له التواصل والمحبة، مشيرًا إلى أن الحديث عن التغيير ولّد موضوعات لسنوات قادمة، لأننا ربما عثرنا على كنز بل أكثر من هذا، موضحًا أن فضيلته يقارب الآن أن يكتب كتابًا متكاملًا قد يعبر عن توجه شرعي أصولي فيما يتعلق بالمعالجة الشرعية لهذا الواقع.
وأضاف فضيلته أنه من جميل ما ذكره الأستاذ تركي، أنه كما أن النهر لا يتكرر، فإن الإنسان نفسه لا يتكرر، فالإنسان نفسه ينبغي أن يدرك أن خلاياه تتغير وبناءً عليه يجب أن لا يكرر الخطأ، ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الحديث: «لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»، مشيرًا إلى أنه يجب على الإنسان أن يحاول أن يعتبر أن وجوده في الحياة هو تحدٍ؛ ولذلك يحرص على أن يضع بصمته وتأثيره في هذا الكون وأن يُذكر بخير حتى لو كان ذلك من خلال الكلمة الطيبة أو القدوة الحسنة.
معرة..وأفكار خبيثة؟!!!
وكشف الدكتور العودة عن أنه توجد في بعض البيئات الضيقة ما يمكن أن نسميه بــ"معرّة إحساس"، وذلك حينما يقال: إن فلانًا تغير، فإن الغالب حتى دون أن يكون هناك تفصيل، أن يشعر المستمعون بأن هذا التغير سيئ بالنسبة له، وأن هذا التغيير طال قيمه أو أخلاقه أو ديانته أو عقله مثلًا، مشيرًا إلى أن هذا يعد مفهومًا سلبيًا يجعل الناس يهرعون دائمًا إلى البقاء على ما هم عليه والجمود، مع أنهم ينتقدون هذا الواقع الذي هم فيه صباح مساء سواء كان واقعًا خاصًا أو عامًا، ومع ذلك هم يتشبثون ويتمسكون به وكأن عندهم اعتقاد أن كل ماضٍ فهو جميل وكل واقع فهو مذموم وكل مستقبل فهو سيئ.
وأردف فضيلته: لقد قرأت في الانترنت مقالًا لطالب علم يعلق، ويقول: أن "الكفار الخبثاء" ويهاجم نشر الاعتدال والوسطية والحوار، ويصفها بالأفكار الخبيثة!، والمقال طويل دون أن يبين هو أين منطقة القبول وأين منطقة الرد؟ !!
مراحل التغيير
وردًّا على سؤال، يقول: هل هناك وقت يقال فيه إنه لا مجال للتغيير؟، قال الشيخ سلمان: إن التغيير يمر بمراحل مثلما ذكر كيرت وغيرهم، وهي:
1 ـ تذويب الجليد: فإذا كان الإنسان أمام واقع معين شخصي أو أسري أو في مجتمع ما، فإنه لابد أن يذيب هذا الجليد، ويشجع الناس على الإحساس بالتغيير وأهميته وضرورته، وأن يحفز نفوسهم.
2 ـ الترتيب: حيث لابد أن يعيد الإنسان ترتيب الأشياء من جديد بشكل صحيح.
3 ـ التنفيذ: حيث ينفذ الإنسان عملية التغيير ثم يعيد تجميدها مرة أخرى وتثبيتها -إن صح التعبير-.
وأضاف فضيلته: لكن هذا ليس إلى الأبد؛ ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن:29)، مشيرًا إلى أنه من الخطأ أن نقرأ القرآن فقط على أنه موبخ لنا، ولكن يجب أن نقرأ القرآن وكأنه حافز لنا ومعزز لانتظار الجميل، فعندما يقول سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، أي: يطلبون الله -سبحانه وتعالى- ويدعونه، ثم يقول (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، وهذا يشير إلى أن هناك تغييرًا إيجابيًا قادمًا، فالذين يشعرون بالضيق بسبب فقر أو عدوان أو ظلم أو حرمان أو مرض أو إعاقة أو أي سبب من الأسباب عليهم أن يسألوا الله -سبحانه وتعالى- وأن يستحضروا قوله تعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).
طاعة.. وتغير مجتمعي
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يتحدث عن الطاعة في أول رمضان، قال الشيخ سلمان: إن الطاعة هي دليل على وجود حافز إيماني، لأن هؤلاء الناس الذين صاموا، لم يقوموا بذلك إلا لوجود الدافع الإيماني القوي في نفوسهم، وكذلك الذين ذهبوا للمسجد أو صلوا صلاة التراويح، مشيرًا إلى أن بعض الشواهد تؤكد على أن هناك تغيرات تحدث في مجتمعاتنا، وعلى سبيل المثال، فقد ذهبت إلى المسجد أمس فوجدت أن عدد الناس الذين يلبسون الغتر حوالي خمسة في ستة صفوف، ثم نظرت للذين يلبسون الثوب السعودي وجدتهم أيضًا عدد محدد.
وأضاف فضيلته أنه يجب علينا أن نرصد هذه التغييرات بشكل سليم، لافتًا إلى أن هذه التجمعات تعد مؤشرًا على وجود لدافع الإيماني، وروح الإيمان والخشوع والأصوات الجميلة، حيث يوجد في جدة هذا النغم الحجازي الرائع الذي تسمعه وتخشع له في القرآن الكريم، معربًا عن أمنيته في أن يعمل الأئمة والخطباء والمحدثون في بداية الشهر على تحفيز الناس على الاستمرار في العبادة طوال الشهر، وأن يكملوا في نفس الطريق، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(النحل: من الآية128)، كذلك فإن الله مع الصابرين، كما يجب على الأسر أن تحفز أولادها، موضحًا أن هناك بعض المشاكل التي يمكن الحديث عنها فيما بعد، منها: السهر والتوقيت.
قبول التغيير
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يتحدث عن قبول التغيير عند الناس، قال الشيخ سلمان: إنه من الأهمية بمكان أن نعرف كيف يتكيف الإنسان مع التغيير، مشيرًا إلى أن هناك دعاءً يقول: "اللهم ارزقني القدرة على تغيير ما يجب تغييره، وارزقني الصبر على ما لم يمكن تغييره، وارزقني الحكمة في التفريق بين ما يمكن تغييره وما لا يمكن تغييره"، لافتًا إلى أن التكيف هو أعظم خصلة أو صفة تجعل الإنسان يستفيد من التغيير؛ ولذلك فإن العرب يقولون: "لا تكن يابسًا فتُكسر".
وأضاف فضيلته أنه من الجميل أن يكون الإنسان مثل الشجرة تفيئها الريح تارة وتعدلها تارة ولكنها لا تفصلها عن جذورها ولا عن تربتها وتحافظ هذه الشجرة على مرونتها بدلًا من الانكسار.
الاستغناء بالله
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة تقول: إنني أتغير لكي أتكيف مع الظروف حولي فلا تغيرني الأزمات ولا تصدمني المتغيرات، قال الشيخ سلمان: إنه من التغير القدرة على الاستغناء عن الأشياء، مشيرًا إلى أن الاستغناء إنما يكون بالله -سبحانه وتعالى-، فالإنسان لا يكون رهينة لشيء مثل علاقة عاطفية أو طلب معين أو حاجة ربما لم يحصل عليها لأنه لا أحد يحصل في الدنيا على كل ما يريده إطلاقًا (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) (النجم:25،24).
وأضاف فضيلته أن الإنسان لا يستطيع الاستغناء إلا حينما يكون لديه قدرة على أن يغير ذاته وأن يعتصم بالله -سبحانه وتعالى-: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران: من الآية101).
ملاحظة الآخرين
وفيما يتعلق بأن الجو المفعم بالسلبيات يزيد بعض الناس ضجرًا وشعورًا بعدم القدرة على التغيير، قال الشيخ سلمان: لقد لاحظت في حياتنا العملية كثرة النقد، فعندما نركب السيارة في مدينة مثل جدة أو الرياض كمثال تجدنا وهذا قد تجاوز الإشارة وهذا انعطف بدون ما يضيء الإشارة، فتجد أن هناك ملاحظات كثيرة، فالإنسان يمشي وهو يلاحظ على الناس، فيمكن هذا الإنسان الآخر يلاحظ عليك أيضًا، وأن الأمر متبادل، فكلنا أصبحنا نلاحظ على بعضنا بعضًا.
وأضاف فضيلته: لقد أصبحنا نتمتع بشدة الملاحظة دون أن يكون هناك مطلب تغييري بأن يُغيّر الإنسان نفسه، وهذه مشكلة، وذلك لأنها تزيد من عمق المشكلة والمعاناة، وعلى سبيل المثال، فإن شخصًا لاحظ شيئًا أصبح يريد أن يؤدب الناس، فهذا يشير إليه بيده وهو بالسيارة وهذا ربما يشير بالسيارة أحيانًا إليه، وأضعف الإيمان المنبه، بحيث تجد أن جونا صاخب مليء بكثرة المنبهات المزعجة، بل أحدهم عندما يرى شخصًا يستعجله وهو أمام الإشارة بالمنبه يقف حتى توشك الإشارة أن تنتهي ثم ينطلق ويترك ذاك بها، فهو لا يريد شرًا، ولكن يريد منه أن يتأدب ويتلقن درسًا، فكلنا أصبحنا نعلّم الآخرين دون أن نلهم أو نعلّم أنفسنا، فكثرة العيب عند الناس ليست صفة طيبة بل ينبغي على الإنسان أن يكون إيجابيًا يقرأ الأشياء الجيدة عند الآخرين.
الدفع مقابل الترقية
وتعقيبًا على أن أبرز ما أثير حول الحلقة الأخيرة من برنامج "الحياة كلمة"، هو فتوى الدفع مقابل الترقية، قال الشيخ سلمان: لقد أرسل لي الأستاذ محمد بن حامد الأحمري رسائل بالجوال يقول: يجب أن ترجع فورًا عن ما قلته، وهو أكيد لم يسمع الفتوى مباشرة، لكن اطلع عليها في أحد القوائم البريدية، مشيرًا إلى أننا لو أضفنا كلمة "التأني" إلى الفتوى، فإنها ستكون على الأقل أكثر قابلية، موضحًا أن فضيلته حذر من هذا الفعل وبين خطورته وأنه أحد مظاهر التخلف في بعض مجتمعاتنا الإسلامية، وذلك أن الإنسان لا يحصل على حقه أحيانًا بموجب القانون، فإما أن يكون هناك قرابة أو علاقة أو رشوة ومحسوبية، فإن هذه معاناة كبيرة سواء وقعت في العسكريين أو في المدنيين، حيث هناك كثير من المقاولين الذين يشتكون من هذه المعاناة، وأن الإنسان قد يشكر قولًا، لكن لن يحصل على الترقية إلا إذا دفع مالًا.
وأضاف فضيلته: إن فتواي لم تكن من فراغ، فقد سبق إليها ابن حزم وابن تيمية -رحمه الله- والشيخ ابن باز له فتاوى في هذا الإطار، فضلًا عن موافقة أحد المجامع الفقهية على هذه الفتوى، ومع ذلك فإنه لابد من التأني، مشيرًا إلى أنه في حالات كثيرة تجد أن الناس يتأولون أنهم يستحقون وهم قد يكونون غير مستحقين، وعلى سبيل المثال فإن إحدى الأخوات تعمل في التعليم وقد اتصلت، تقول: إنها مستحقة للنقل بدليل أن زميلاتها نقلن وهي لم تنقل، وهذا قد يكون صحيحًا بالنسبة لـ50% لكن ربما أنه أحيانًا ليس دقيقًا.
التريث مطلوب
وذكر الدكتور العودة أن الإنسان قد يجد من العسكريين أو الموظفين من قد ترقوا في حين أن زملاءهم الأقدم لم يحصلوا على ترقية بسبب أنه ليس هناك وظائف شاغرة أحيانًا، مؤكدًا على ضرورة التريث في مثل هذه الأمور، كما أننا أكدنا أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ مالًا حرامًا، لأن هذه رشوة صاحبها ملعون، وهو من السحت الذي نهى الله تعالى عن أكله ولعنهم وتوعدهم.
وتابع فضيلته: إن الإنسان الذي نقول إنه إذا تأكد أنه 100% مستحق للشيء هذا ودفع، فإنه يتعين عليه أن يخبر أو يبلغ الجهات المسئولة في الرقابة أو التحقيق أو غيرها حتى يتم ملاحقة هذا الإنسان الخائن الذي ربما لم يرعَ الأمانة حق رعايتها، وأن ذلك يمكن أن يخفف من انتشار الرشوة والفساد.
فتوى شخصية
وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أنه يحسن لهذه الفتوى أن تكون فتوى شخصية وليست عامة، قال الشيخ سلمان: هذا كلام سليم، فنحن حينما نتكلم عن روح نهضوية، وأننا نريد أن نغير من أوضاع مجتمعاتنا، فإن هذه معضلة، فنحن لا نريد أن يكون الفقراء والضعفاء هم الضحايا في كثير من الحالات.
وذكر فضيلته طرفة، قائلًا: إن فلّاحًا جاء للبقال بالزبدة وقال له هذا كيلو زبدة وبعد أن وزنها البقال قال له أنت غشاش وخائن ولا يجب التعامل معك، وذلك لأن هذه الزبدة تسعمائة جرام، فقال الفلاح: إنني فقير وليس عندي كيلو أوزن،.. إنني عندي ميزان وآخذ السكر الذي اشتريته منك فأضعه في كفة وأضع مقابله زبدة في الكفة الأخرى، وهذا يشير إلى أن الغش موجود أصلًا عند البقال، وإنما هو صوت الصدى.
وأوضح الشيخ سلمان: إنني أوافق على أن إصدار فتوى عامة في الملأ ربما يساء استخدامها، ولذلك أرى التحفظ عليها، كما أن الإنسان الذي يقع منه مثل هذا الشيء يمكن أن يكون على صلة أو يبلّغ جهات مسئولة عن الرقابة أو التحقيق أو غيرها، وهذا من شأنه أن يجعل أولئك المسئولين الخونة يحسبون حسابًا أن هناك من يبحث عنهم ويسائلهم.
الطعام الحلال
وردًّا على سؤال من مشارك، يقول: إنه يعمل في السوق، ونصراني عنده سيارة يأتي لهم بأكل مكتوب عليه حلال، في حين أن آخرين يشككون في ذلك، قال الشيخ سلمان: إن هذا الطعام يجوز الأكل منه، يقول تعالى في محكم التنزيل: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)(المائدة: من الآية5)، فالطعام حلال، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل عند اليهود كما في البخاري ومسلم في روايات عديدة، وأكل من الجبن المجلوب أيضًا من بلاد النصارى كما عند أحمد وغيره بسند صحيح.
وأضاف فضيلته أن الأصل في هذه الأطعمة، وخاصة بالنسبة للذين يعايشون هؤلاء الناس وتعيشون بين ظهرانيهم، حِلّ وجواز هذه الأشياء ما لم يعلم الإنسان أنها مذبوحة بطريقة غير شرعية، أي: أنها غير مذكاة، أما إذا لم يعلم فنقول كما في حديث عائشة: إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثًا عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لاَ نَدْرِى يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لاَ. وقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- «اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا»، فإذا لم يعلم الإنسان فمبنى هذا على الحل والجواب.
الفطر عمدًا
وردًّا على سؤال يقول: ما حكم من يفطر عمدًا في رمضان؟ وما هي كفارته؟، قال الشيخ سلمان: إن الإفطار إذا كان بأكل أو شرب فهو لاشك محرّم ومخالف لنص الكتاب الكريم، يقول تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة: من الآية187)،، كما أنه كبيرة من كبائر الذنوب.
وأضاف فضيلته أنه إذا أفطر المرأ في رمضان بغير عذر فإذا كان الفطر بالأكل أو بالشرب فعليه التوبة والقضاء، فالتوبة تكون باستغفار الله -سبحانه وتعالى- وعليه أن يقضي بعدد الأيام التي أفطرها، أما إذا كان الفطر بالجماع في نهار رمضان فعليه مع التوبة والقضاء الكفارة، لافتًا إلى أن الكفارة هي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
كشف الوجه
وردًّا على سؤال من مشاركة تقول: زوجي مبتعث لفرنسا وأريد أن أذهب معه لكن هل هناك حرج إذا كشفت وجهي والتزمت بالحجاب الشرعي، قال الشيخ سلمان: ليس عليك في ذلك حرج، فليس هناك أي فتنة بمثل هذا الأمر الذي تذكرينه، وهذا قول معتبر عند الفقهاء وهو مذهب ثلاثة من الأئمة، ولذلك فإن المسلمين الذين يذهبون إلى هناك ويقيمون للدراسة أو للعمل أو للعلاج ويواجهون حرجًا ويواجهون مشقة لا أرى عليهم في ذلك بأسًا، بل إن في ذلك من الحرج عليهم في لفت الأنظار.
وأضاف فضيلته أن المقصود بالحجاب الشرعي ألا يلفت النظر إلى المرأة، بحيث أن لا ينظر إليها، كما قال سبحانه: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) (الأحزاب: من الآية32) وقال أيضًا: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) (الأحزاب: من الآية59)، فهذا اللباس هو الذي يلفت النظر في تلك البلاد أحيانًا بحيث إنها قد تؤذى أو يتعرض لها رجال الشرطة أو بعض العنصريين والمتطرفين، فضلًا عن مضايقات الدخول والخروج، فعلى الإنسان أن يقدّر الأحوال بقدرها، يقول تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (الحج: من الآية78)
غناء في السعي
وردًّا على سؤال من مشارك، يقول: لقد اعتمرت قبل خمس عشرة سنة وكنت أردد أغنية في السعي، فما الحكم؟، قال الشيخ سلمان: إن هذه من المعاني التي لا بأس أن تقف عندها، فهذا سعى مؤمنًا بالله -سبحانه وتعالى- يؤدي عبادة ولكن في الوقت ذاته فإن المؤمن يوجد في إيمانه نقص أو عيب، مشيرًا إلى أن مثل هذه المعاني تجتمع، وكلما وجدت أشياء تغلب على الإنسان ويتمحض لها كان هذا أفضل، أما بالنسبة لسعيك وعمرتك فهي صحيحة لأنك لم تأت بشيء مفسد لها وإن كان طبعًا هذا مخالف لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه.
وأضاف فضيلته أنه في الطواف والسعي يكون هناك قراءة القرآن والدعاء، يقول تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: من الآية201)، كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص يردد في السعي: "اللهم اغفر وارحم واعف وتكرّم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم"، فالإنسان فاته خير كثير ولكن هذا لا يستغرب أن يحدث من الإنسان في فترة المراهقة ثم يصحو ويستيقظ ويسأل عنه.
رهاب اجتماعي
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: إنه عندما يدخل المسجد تعتريه حالة نفسية معينة ويسأل عن إمكانية تغييرها، قال الشيخ سلمان: إن هذا مرض يسمونه "الرهاب الاجتماعي"، وذلك أن بعض الناس لا يستطيع أن يجلس مع الناس، أو أن بعض الناس لا يستطيع أن يؤم المصلين وتعتريه حالة نفسية، فإذا تقرر طبيًا أن هذا الرهاب أو أن هذا الإنسان يعاني من الرهاب بحيث لا يستطيع فإنه «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» و(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286).
وأضاف فضيلته: لكن إذا وُجدت حلول، فإنه من الممكن أن يذهب إلى مساجد يكون عدد المصلين فيها قليل أو يكون المصلون ممن تعرفهم، أو ربما يكونون أصدقاء لك أو هناك قرابة بينك وبينهم أو معرفة بحيث إنهم ليسوا وجوهًا جديدة أو غريبة عليك، أما إذا لم تستطع فتصلي في بيتك وإذا وجدت أحدًا تصلي معه في بيتك من أولادك أو زوجتك فحسن.
اختلاف الرؤيا
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يتحدث عن أن هناك خلافًا حول بداية رمضان في استراليا، وهل هي الأربعاء أم الخميس، قال الشيخ سلمان: هذه مشكلة مزمنة، وإن كنت أشيد بأن هذا العام شهد توافقًا كبيرًا في الصيام بين المملكة وعدد كبير من الدول العربية والإسلامية في أن الأربعاء هو غرة رمضان، فهذا شيء نشكر ربنا -سبحانه وتعالى- عليه ونسأله المزيد من فضله أن نرى يومًا من الأيام غير بعيد توحد فيه دول العالم الإسلامي كلها صومها وفطرها أو تتوحد وليس اتفاقيًا وإنما بشكل مدروس.
وأضاف فضيلته: إنه في أستراليا وفي عدد من الدول حتى في أوربا، تجد أن البعض يتبعون الدول التي جاءوا منها وبعضهم يتبع مركزًا إسلاميًا، وبعضهم يتبعون أقرب بلد إليهم، مشيرًا إلى أنه، على الأقل، يجب على المسلمين في الدولة الواحدة ـ وإذا لم يمكن فعلى الأقل في المدينة الواحدة ـ أن يوحدوا صومهم، لافتًا إلى أنه شيء غير مقبول أن يصير شخص صائم وآخر مفطر وهم في مسجد واحد أو مركز واحد أو مدرسة واحدة.
الجمع.. والقصر
وردًّا على سؤال حول حكم جمع الصلاة وقصرها بالنسبة لمبتعث منذ 4 سنوات، قال الشيخ سلمان: إنه تبعًا لجمهور العلماء، فأنت لست مسافرًا، ولكنك أشبه بالمقيم، ولذلك أرى أنك لا تقصر الصلاة، ولا تفطر في رمضان، وأما جمع الظهر مع العصر أو جمع المغرب مع العشاء فإذا وُجد ما يدعو إلى ذلك مثل كونك ستخرج وقد لا تجد مصلى أو عندك حصة أو عمل أو ارتباط أو ما أشبه فإن هذا الأمر فيه سعة لأن الجمع يكون للرخصة وليس فقط للسفر.
وأضاف فضيلته: وهكذا ما يتعلق بصلاة الجمعة مع أن الجمعة أكثر تأكيدًا لكن إذا استطاع الإنسان أن يُغيّر الجدول بحيث يكون وقت صلاة الجمعة فارغًا ويصلي، فإن هذا يتعين عليه، فإذا لم يستطع فإنه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286).
إخوتي لا يصلون
وردًّا على سؤال من مشاركة، تقول: لي اثنان من إخوتي لا يصلون وعجزت أمي وهي تنصحهم والوالد متوفى والمشكلة أنهم أكبر مني، فما هو الحل؟، قال الشيخ سلمان: ليس أمامك إلا النصيحة، فالأمر ليس إكراهًا، يقول تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(يونس: من الآية99)، كما أنك لست في مقام الإكراه لأنك لست أبًا لهم ولا قيمًا عليهم ولا واليًا فيبقى أمر الدعوة والإقناع وكونك دعوتيهم مرة أو دعتهم أمك، فإن هذا لا يعني أن الأمر قد انتهى فإن الدعوة أمر لا يتوقف، يقول تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ)(الفرقان: من الآية77).
وأضاف فضيلته أن الدعوة باقية طول الحياة، كل يوم حاول أن تذكرهم بالله، وهم يرون صيامك وفطرك وصلاتك، وادع الله تعالى لهم بالهداية، وحاول تكون طيبًا معهم، مشيرًا إلى أن إحدى الأخوات ذكرت لي قريبًا من هذا الأمر مع والدها وماذا تفعل غير الدعاء؟ فقلت لها: مع الدعاء عليك أن تكوني قدوة حسنة له وذلك يكون من خلال: حسن التعامل معه، والتقدير، والتبجيل، والأدب، والذوق، واللطف، والابتسامة، لافتًا إلى أن هؤلاء الناس أحيانًا قد تكون غلبتهم الشهوات، أو هم ضحايا سوء تربية في الصغر، أو صيغ بغّضت إليهم قدرًا من الالتزام أو التقوى أو الدين، والهداية بيد الله -عز وجل-، فربما لحظة من اللحظات يكون فيها فتح ونعمة وفضل من الله -سبحانه وتعالى-، فمع الدعاء يكون هناك قدوة حسنة، وصبر ومواصلة، والهداية بيد الله.
تهاني.. وتبريكات
وكان الشيخ سلمان قد قدم في بداية الحلقة أصدق الدعوات وأخلص التهنئات وأجمل التبريكات ومعاني الحب والوفاء والصداقة والصفاء لكل الإخوة والأخوات، مشيرًا إلى أن شهر رمضان هو شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، كما أنه شهر ترطيب القلوب بذكر الله -سبحانه وتعالى- وترطيب العيون ببعض الدمع، وترطيب الألسن بالذكر وقراءة القرآن وتلاوته واستشعار المعنى الروحاني للحياة.


الكاتب:  أيمن بريك




0 التعليقات:

:: ترتيب المدونة عالميــاً ::

RSSMicro FeedRank Results